السياسة

عبد الله ساعف ..يدعو إلى إعادة قراءة متأنية لنصوص الراحل التهامي الخياري

شكل الدرس الافتتاحي للموسم الثقافي 2021 لمؤسسة التهامي الخياري للدراسات والأبحاث، الذي قدمه الأستاذ الباحث والمناضل التقدمي عبد الله ساعف، مساء الخميس 25 فبراير 2021، إحياء للذكرى الثامنة لرحيل القيادي التهامي الخياري، محطة دالة، لاستحضار ملامح الخصوصية والتميز التي بصمت شخصية المرحوم على امتداد مساره النضالي في عدة جبهات، وبشكل خاص من زاوية ما خلفه كرجل بحث وكمثقف، من إنتاجات وتراث فكري حافل.
وعبر الأستاذ ساعف في مستهل درسه، عن سعادته واعتزازه بالمشاركة في إحياء ذكرى رحيل صديق وصفه بالعزيز الذي لا يعرف تضحياته وعمق صدقه إلا قلة قليلة وكشخصية محورية في المغرب وكإنسان يستحق كل التقدير التنويه والاحترام ويحمل قيما كبيرة كمناضل كنقابي وكسياسي من الوزن الثقيل وكباحث ومثقف، معتبرا وفاته بمثابة اختطاف لمسار مكثف ونموذجي لجيله.
الخياري لم يكن سياسيا بالمعنى السياسوي بل كان سياسيا بمعنى المثقف .. كانت له سياسة بثقافة الفعل والحركة والتعبئة.
 واعتبره رجلا يشتغل في الميدان، بنوع من الالتزام الجدي، الكلى والراسخ بالعمل السياسي وبالقضايا الوطنية الكبرى، في فترة عصيبة بما تتطلبه من جهد ومعاناة واصطدامات، مرحلة حملت أشياء كثيرة وتحتاج لمن يعود إليها بالدراسة والتحليل سواء من زاوية التأريخ او التفاصيل. موكدا أن جزء من التاريخ الاجتماعي للمغرب موجود في ثنايا شخصيته، ومبرزا ان المثير فيه رؤيته الاستباقية، التي كانت ترى أبعد من الواقع المعاش وأكدت الأيام صدقية رؤاه وتصوراته التي عبر عنها.
وعاد الأستاذ ساعف بالذاكرة في علاقته بالراحل إلى فترة الحياة الطلابية، نهاية ستينيات القرن الماضي، وبروزه المؤثر والفاعل في التجمعات، بما عرف به لدى الجميع من حيوية وتحركات، موازاة مع مساهمته في تلك المرحلة في البحت العلمي، موضحا أنه أنتج فكرا ومنهجية لهما خصوصية.
كما استحضر مؤلفاته القيمة: الفلاحة في المغرب، مجلة الاقتصاد والاشتراكية والكتب التي أنجزها والدراسات والمقالات الأساسية بما تشكله من إنتاج فريد بملامح خاصة، موضحا أن أطروحته للدكتوراه شكلت حدثا بارزا في الجامعة المغربية، شدت إليها اهتمام الاقتصادي سمير أمين لحضور مناقشتها بالدار البيضاء إلى جانب شخصيات علمية وازنة من هذا الحجم.
وفى سياق ذلك عدد الأستاذ ساعف مؤلفات المرحوم التهامي: الإدارة وتنمية الفلاحة، أزمة الفلاحة المغربية من منظور معاكس للأفكار السائدة، البنيات الفلاحية والتنمية الاقتصادية، وتوجه جديد لتأمين الأمن الغذائي، وكان خلال المؤتمرات والأيام الدراسية يتشبث دوما بالنظرية العميقة المثقلة بالمفاهيم الكبرى بالرغم من وجود موجات الموضة اللحظية العابرة كما في دراسته لنمو الرأسمال في عالم الفلاحة المغربية وبعض الدراسات كالحركة النقابية وحقوق الإنسان وغيرها مما يبرز تنوعا في انتاجاته.
 إلا أن ما ميز مساره حتى في مجاله، يضيف الأستاذ ساعف، هو اهتمامه بالاقتصاد القروي المطبق بالنظر لمعرفته العميقة بالعالم القروي كباحث لصيق بهذا الواقع يشعرك باحترامه العميق للفئات الاجتماعية التي تشتغل في المجال الفلاحي. وأشار الأستاذ المحاضر في هذا الصدد إلى أن فكرته المحورية تتلخص في أن استعمال التقنيات المتقدمة لا يتعارض مع ذهنية وقدرية إنسان العالم الفلاحي بما يعنى أن عدم استعمال الفلاحين المغاربة لهذه الوسائل لا يترجم تخلفهم بقدر ما يعكس قلة وغياب الوسائل والإمكانيات.
وأجزم الأستاذ ساعف أن الراحل كباحث ينتظر منا المزيد من الجهد ينتظر منا برنامج ومشاريع بحوث بالعودة إلى كتاباته التي لم يتجاوزها الزمن بل على العكس هي تستدعى من جديد موجة جديدة من القراءة والكتابة والتحليل والبحت وإدماجها فيما هو جارى الآن.
 فالرجل لم يكن سياسيا ومناضلا فحسب، يضيف الأستاذ ساعف، بل كان أيضا مثقفا ممن لكلمتهم قوة خاصة ولم يكن سياسيا بالمعنى السياسوي بل كان سياسيا بمعنى المثقف نعم كانت له سياسة بثقافة الفعل والحركة والتعبئة.
ويستحضر الأستاذ ساعف، لقاء له مع الراحل قبل تأسيسه للجبهة انصب الحديث فيه بينهما، حول الأفق السياسي قبل حكومة التناوب، مشيرا أن المثير في اللقاء تمحور الحديث عن تأسيس حزب بناء على تحليل مجتمعي متكامل وتحدث المرحوم منهجيا كعالم اجتماع عن الخريطة الاجتماعية ومكونات المجتمع المغربي واستخلص بالتالي بعض العبر فيما يتعلق بالعمل السياسي للمستقبل. كانت رؤيته عميقة وقل نظيرها في الساحة السياسية الوطنية وقتئذ.
ومن منطلق أن المثقف لم يكن يستوعب جيدا السياسة والسياسي غير مستوعب للمجتمع فبالنسبة له، يوضح الأستاذ ساعف، استطاع الراحل الجمع بين الأمرين فكان مثقفا مستوعبا للسياسة وسياسيا متمكنا من فهم المجتمع وكانت هذه خاصيته.
 وخلص الأستاذ عبد الله ساعف، بالمناسبة إلى تأكيد حاجته إلى إعادة قراءة متأنية لنصوص الراحل والتي كان قرأها متفرقة لما نشرت لما تحمله من الحكمة والقناعات وقوة إيمانية بمعنى الالتزام بكلام وبمضمون منوها بمشروع المؤسسة التي تحمل اسم الراحل، وتهتم بالتراث الذي خلفه وبما ستتيحه له هذه الفرصة لإعادة الاهتمام من جديد بهذه المؤلفات التي قد تنفلت من الزمان فتضيع من الجميع. واعتبر جازما أن الوقت حان للاهتمام بهذا النوع من الملامح.
عبد الرحيم بنشريف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى