لا أمن ضد الخوف إلا بضمان نزاهة ونجاعة الأمن القضائي
حقا لقد تطور الحس الوطني بشكل ملفت ، وصار اغلب المغاربة يواجهون بالفطرة والوعي المتنامي كل اعتداء اجنبي على البلاد ؛ غير أن التماهي يحصل لدى كثيرين بين الدفاع عن الوطنية و بين المنافحة عن السيادة ، وأحيانا يتم الخلط بين الوطنية و السيادة والملكية والدين باسم توابث الأمة تارة وتارات أخرى باسم المقدسات ؛ وليس يهمنا سوى دعم هذا التمرين التربوي المواطناتي ، في اتجاه توثيق وترسيخ المشترك بالالتفاف حول الوطن اولا ، باعتباره الوعاء الحاضن للجميع ، وهذا التمييز الضروري والاشتراطي مفيد من زاوية أن دور الأجهزة الأمنية ينبغي أن يواصل حلقة تطوره الإيجابي والمواطن ، من مجرد الدفاع وحماية النظام فالدولة ( كطبقة سائدة وحاكمة وجهاز يخدمها ) إلى مؤسسات دستورية تحمي الوطن والمواطنات والمواطنين من الخوف والإرهاب والفوضى ومن المصير المجهول ، ومن الاعتداء على حياتهم الخاصة ومعطياتهم الشخصية ؛ وهذه عي غاية الحكامة الأمنية ودمقرطة القوة العمومية ، وهي ارادة تتبلور بالتدريج ، يطمح الحقوقيون والديمقراطيون أن تتوج مسار معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بقرار حقيقي للقطع مع الماضي ، وذلك تنفيذا لأقوى توصيات هيأة الانصاف والمصالحة ، كثمرة تسوية سياسية اطرها الحقوقيون ببعد سياسي ، اهمها القيام بالاصلاحات السياسي والدستوري والمؤسستي والتشريعي ، فهل استنفذت العملية السياسية التي رافقت العهد الجديد دورتها دون ان ترسي ضمانات عدم التكرار توازيا مع استراتيجيا عدم الإفلات من العقاب ؟ ومتى سيتمثل السياسيون الحزبيون جدوى الاهتمام بالسياسة العمومية في مجال الأمن ؟ ولأن الديمقراطية تقتضي ان لا يبقى الأمن مجالا محفوظا ؛ فما هي المجهودات التي تقوم بها الاحزاب لكي تناهض الاحتكار في استعمال القوة العمومية ، ولمأسسة تدبيرها تجاه جميع أشكال التعبير السلمية والقانونية ، في ظل تفاقم نسبة الخصاص الاجتماعي وما يترتب عنه من توترات واحتقان واختراق للحيوات الخاصة والمعطيات الشخصية ؟
وإن مرد هذه التساؤلات هو ما يجري محليا واقليميا ودوليا من تحولات مشفوعة بتحديات وإكراهات سوسيو استراتتيجية ؛ هذه الوقائع ذات الطابع السيادي والبعد الأمني ، ولأن كل القرارات السياسية والاجتماعية والمالية والدبلوماسية مصدرها وخلفياتها أمنية ، فإنه يطرح سؤال كيفية التوفيق بين حماية الاوطان وبين تحصين حقوق الإنسان ؛ فهنا تحضر الوطنية من خلال توافق الحكامة الأمنية والمقاربة الحقوقية ، وليس الضامن هنا سوى السلطة القضائية الوحيدة المؤهلة للترخيص لمن لهم الصفة في الشذوذ عن السياق الحقوقي والقواعد القانونية وفق متطلبات السيادة الوطنية والكرامة الإنسانية ، مما يستدعي الحذر وإعادة طرح إشكالية استقلالية الحقيقة القضائية حتى لا نتعسف بالقول استقلال القرار القضائي عن السلطة التنفيذية وعقلها الأمني المنفلت ( واقعا ومع افتراض حسن النوايا ) من الرقابة البرلمانية والأحرى القضائية . ولا يسعنا إلا تجديد الثقة في المسار الإصلاحي من أجل دولة آمنة و قوية تقطع مع سلوكات الدولة الأمنية المخيفة .
مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن .