خزانة القرويين.. منارة علمية عريقة للتراث المكتوب بقلب مدينة فاس

تعتبر خزانة القرويين المتواجدة بالمدينة العتيقة بفاس واحدة من أعرق الخزانات بالعالم العربي والإسلامي.
وتعد هذه المنارة العلمية التي تأسست في القرن الرابع عشر الميلادي على يد السلطان أبي عنان المريني، منارة للتراث الثقافي المغربي.
وقد عمد سلاطين المغرب والأمراء والعلماء والعائلات المعروفة بالعلم والفكر والثقافة على مر العصور إلى إثراء محتويات هذه الخزانة.
وبفضل هذه العملية، أضحت الخزانة تضم نفائس ثمينة من الكتب والمخطوطات القديمة التي تهم مختلف الحقول المعرفية: القانون ، علم الفلك، الطب الفلسفة، وغيرها.
ومن بين الذخائر النادرة من المخطوطات، تضم الخزانة بين رفوفها مصحفا كريما نادر يعود إلى نهاية القرن الثاني الهجري مكتوب بماء الذهب، إضافة إلى نسخة فريدة من كتاب ( العبر ) لابن خلدون.
وبعد تأسيسها من قبل السلطان أبب عنان المريني الذي أهداها جميع كتبه الشخصية، حظيت المكتبة باهتمام السلاطين المغاربة تباعا، ففي القرن السادس عشر، جعلها السلطان السعدي أحمد المنصور تحت حمايته وبنى لها جناحا خاصا داخل مسجد القرويين. وحملت المكتبة في وقت من الأوقات اسم “المكتبة الأحمدية”، و”المكتبة المنصورية”.
بدورهم، أولى السلاطين العلويون اهتماما خاصا لخزانة القرويين وعمدوا إلى إهدائها نفائس ثمينة من الكتب، وظلوا حريصين على صيانتها.
ففي سنة 1940 ، قام جلالة المغفور له الملك محمد الخامس ببناء جناح يعرف الآن بجناح العلويين حيث تم نقل الخزانة إلى هذا الجناح لتنفصل بذلك عن مسجد القرويين ويصبح لها باب خارج المسجد.
وأفاد أبو بكر جعوان، مساعد محافظ خزانة القرويين، أن هذه المعلمة تعتبر من أقدم الخزانات الموجودة بالمغرب، مشيرا إلى أن المكتبة مرت من ثلاث مراحل أساسية ، تعود الأولى للقرن الرابع عشر عندما أسسها السلطان أبو عنان المريني وبنى لها مقرا داخل مسجد القروييين، وحبس عليها مجموعة من الكتب.
أما المرحلة الثانية، يضيف المتحدث، فهي مرحلة الامتداد لعهد المنصور السعدي في القرن السادس عشر الميلادي، حيث عمد إلى إخراج المكتبة من المسجد وبنى لها مقرا ملاصقا للمسجد ، وكانت المخطوطات ت حفظ داخل هذا المقر وت قرأ داخل مسجد القرويين.
وخلص جعوان إلى أن المرحلة الثالثة كانت سنة 1940 عندما بنى السلطان محمد الخامس مقرا جديدا فسيحا وكبيرا للمكتبة مايزال يستعمل إلى اليوم. وحرص جلالته أن يحبس عليه هو وأسرته الشريفة، أسوة بأسلافه الميامين، مجموعة من المخطوطات.
وخلال القرن الحادي والعشرين، ولجت هذه المعلمة العصر الرقمي من أوسع أبوابه مع الحفاظ على إرثها التاريخي العريق وذاكرة العقود الماضية. وبعد ترميمها سنة 2004 ، تم تجهيزها بأحدث التكنولوجيات في مجال المحافظة على المخطوطات والوثائق.
وتضم الخزانة قاعة للطالعة وأخرى مخصصة لقراءة الميكروفيلم ومختبرين يضم أحدهما أحدث الابتكارات المعتمدة في مجال الترميم من معدات وتقنيات.
ومن خلال مزجها بين الأصالة والمعاصرة، تحتل خزانة القرويين مكانة مهمة كرمز للغنى الفكري والتاريخي للمغرب. ومن خلال اختزانها ذخائر ونفائس من التراث المكتوب، تشهد هذه المنارة العلمية على عظمة الحضارة المغربية الممتدة لقرون، وتؤكد مكانتها ككنز ثقافي لا يقدر بثمن.