قراءة أولية في خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي يروم من خلال خطابه بناء التهديد ، فالخطاب يصور روسيا كعدو رئيسي لأوروبا

مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن
تناول نص خطاب ماكرون التطورات السياسية والأمنية في أوروبا، حيث تم التركيز على التهديدات الروسية وإعلان تراجع الدور الأمريكي كحليف دفاعي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتبر روسيا مصدر خطر رئيسي لأوروبا، مستشهداً بأسباب مثل الحرب في أوكرانيا، الهجمات الإلكترونية، التدخل في الانتخابات، والتوسع العسكري الروسي المتوقع بحلول 2030. ويتبين من خلال الخطاب أن ماكرون يدعو إلى تعزيز الاستقلالية الأوروبية في الدفاع، مع اقتراحات لتطوير الصناعات العسكرية، زيادة حجم الجيوش، وتوسيع المظلة النووية الفرنسية.
ويمكن تحديد.النقط الرئيسية فيما يلي :
1. التهديد الروسي : فروسيا تُصوَّر كعدو رئيسي لأوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا، الهجمات الإلكترونية، والتدخل في الانتخابات. وينتظر من التوسع العسكري الروسي المتوقع المزيد من الشعور بالخطر.
2. الولايات المتحدة كحليف غير موثوق: فالرئيس ماكرون يشير إلى تراجع الدور الأمريكي في الدفاع عن أوروبا، خاصة بعد سياسات ترامب.
3. تعزيز الاستقلالية الأوروبية: الخطاب يتضمن دعوة صريحة لتطوير الصناعات العسكرية الأوروبية وزيادة القدرات الدفاعية.
ويدعو إلى توسيع المظلة النووية الفرنسية لحماية الحلفاء الأوروبيين.
4. ردود الفعل: يسجل الخطاب تأييدا شعبيا وسياسيا واسعا لخطط ماكرون، مع معارضة من اليمين المتطرف.
5. على مستوى التحليل السياسي: قد يستخدم ماكرون هذا الخطاب لتعزيز موقعه السياسي بعد تراجع شعبيته.
6. التغييرات الاستراتيجية في أوروبا: سجل ماكرون تحولا استراتيجيا في السياسة الدفاعية الأوروبية، مع توجهات جديدة في ألمانيا وبريطانيا ودول شمال أوروبا.
وكخلاصة يمكن القول بأن نص الخطاب يعكس قلقاً أوروبياً متزايداً من التهديدات الروسية وتراجع الدور الأمريكي. ولذلك ماكرون يدعو إلى تعزيز الاستقلالية الأوروبية في الدفاع، مع إجراءات طموحة لتطوير القدرات العسكرية. هذه التغييرات قد تشكل نقطة تحول في السياسة الأوروبية تجاه الأمن والدفاع.
وإذا حاولنا تحليل خطاب ماكرون كسردية أمنية ، يمكن القول بأن الرئيس الفرنسي يروم من خلال خطابه بناء التهديد ، فالخطاب يصور روسيا كعدو رئيسي لأوروبا، مستخدماً لغة دراماتيكية لتأكيد خطورتها. ، وبذلك يتم تقديم روسيا كقوة عدوانية تهدد السلام الأوروبي من خلال:
– شن الحرب على أوكرانيا (أول حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية).
– استخدام القوة العسكرية لتعديل الحدود.
– عمليات الاغتيال ضد المعارضين في أوروبا.
– الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية.
– التدخل في الانتخابات الأوروبية عبر حملات دعائية كاذبة.
– التوسع العسكري المستقبلي (زيادة القوات البرية والدبابات والطائرات بحلول 2030).
ومن جهة ثانية فإن الخطاب صور الولايات المتحدة كحليف غير موثوق وفقد مصداقيته، خاصة بعد سياسات ترامب التي تخلت عن دعم أوكرانيا لصالح روسيا. هذا التصور يعزز الحاجة إلى استقلالية أوروبية في الدفاع.
من جهة أخرى فالتهديد تفاقم وصار مسألة وجودية ، فالخطاب يعزز فكرة أن التهديد الروسي ليس مجرد تهديد عسكري، بل هو تهديد وجودي لأوروبا ككل ، وبذلك يتم تصوير روسيا كقوة توسعية لا تتوقف عند أوكرانيا، بل قد تمتد إلى دول أوروبية أخرى، خاصة في البلقان ودول البلطيق مثل إستونيا.
وأن من شأن هذا التصوير أن يعزز الشعور بالخطر الوشيك، مما يبرر الحاجة إلى إجراءات دفاعية سريعة وقوية.
وبالنسبة للردود المقترحة (أي بناء الحلول ) فأول إجراء هو تعزيز الاستقلالية الأوروبية ، ذلك أن الخطاب يدعو إلى تحول استراتيجي في السياسة الأوروبية، حيث تصبح أوروبا أكثر اعتماداً على نفسها في الدفاع عن أراضيها، من هنا يتم تقديم هذا التحول كحل ضروري لمواجهة التهديدات الروسية وتراجع الدور الأمريكي. وكسردية أمنية فإن الإجراءات المقترحة التالية وسيلة للتبرير أكثر منها حلول :
– تطوير الصناعات العسكرية الأوروبية.
– زيادة حجم وقدرات الجيوش الأوروبية.
– توسيع المظلة النووية الفرنسية لحماية الحلفاء الأوروبيين.
– توفير التمويل اللازم لهذه التغييرات الاستراتيجية.
لتكون الغاية في آخر المطاف توفير الشرعية السياسية أو إسترجاعها ، وهذا يتضح من خلال الخطاب الذي استخدم لغة شرعية لتبرير الإجراءات المقترحة فماكرون يقدم نفسه كقائد واع ومدرك للتهديدات ومؤهل ليقدم الحلول المناسبة، ولذا يتم تصوير هذه الإجراءات كضرورة لضمان استقرار أوروبا وحماية مصالحها.
ويراهن ماكرون في الخطاب على لغة الشعبوية بإدعاء رهانه على تأييد شعبي وسياسي واسع (الموثق بالاستطلاعات)، مما يعزز شرعيته ، حتى المعارضين من اليمين المتطرف ينظر إليهم كأقلية معزولة ، وهنا يعتمد الخطاب على ثنائية “نحن / أوروبا” ضد “هم/ روسيا” .
هذه الثنائية المفتعلة تحاول ان تعزز أو تستدرج الشعور بالهوية الجماعية الأوروبية وتبرر الحاجة إلى التضامن في مواجهة التهديدات الخارجية. خاصة وأن الولايات المتحدة، رغم كونها حليفاً، تُعتبر كطرف غير موثوق به، مما يعزز الحاجة إلى الاعتماد على الذات ، وفي هذا السياق يخلص الخطاب إلى ترسيخ فكرة أن الوقت قد حان لأوروبا لاتخاذ إجراءات جذرية ، لذلك يتم تصوير التهديدات الروسية كخطر قائم ومتزايد، خاصة مع التوسع العسكري المتوقع بحلول 2030.
وهذا الإحساس بالضرورة الملحة يعزز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وقوية.
وفي آخر التحليل يستهدف الخطاب تعبئة الرأي العام الأوروبي، خاصة في فرنسا، لدعم زيادة الإنفاق العسكري وتعزيز القدرات الدفاعية ، فالاستطلاعات التي تظهر تأييداً لهذه الإجراءات تُستخدم لتبرير الخطاب وتعزيز شرعيته، وابذي يستهدف عزل المعارضين، مثل حزب “التجمع الوطني”، من خلال تصويرهم كأقلية معزولة لا تدرك خطورة التهديدات.