وجهة نظر: إضراب الأساتذة…مزيدا من الحكمة والتبصر.

على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك نشر الدكتور كمال الهشومي وجهة نظره وبعض تصوراتها ومقترحاتها في ما يخص إضرابات رجال التعليم التي تكاد تصل إلى الباب المسدود ..
واقترح هشومي أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط الذي قاد إلى جانب الحكومة العديد من المفاوضات مع المركزيات النقابية جملة من المقترحات التي من بينها تحمل الاحزاب السياسية أغلبية ومعارضة مسؤوليتها في إنهاء هذا التصدع الذي لا يمكن التكهن بمخرجاته .
ننشر هنا وجهة نظره كاملة :
إن مسألة تدبير الشأن العام مسألة ليس أبدا بالهينة، والمسؤولية العمومية هي مسؤولية جسيمة لا تقبل المقاربة الذاتية وأحيانا المواقف الشخصية أو حتى المنظور الحزبي الضيق، بل الأمر يفرض النظر بمنظار المصلحة العامة ذات المرجعية الوطنية بالتأكيد.
إن قضية إضراب أساتذة التعليم المتواصل عن العمل أصبحت إشكالية مجتمعية اليوم، وهناك عدة اعتبارات تفرضها كذلك، نظرا لما تمثله التربية والتعليم من ركيزة أساسية في منظام التحول التنموي المنشود لفائدة الأجيال المتلاحقة، ونظرا لطبيعة مكوناته التي تعتبر ركيزة المجتمع المغربي في تعدده وتنوعه، ثم لما تمثله من دعامة أساسية لا غنى عنها في الدفع المنشود المرتبط بتثبيت الدولة الاجتماعية، جوهر وهدف كل البرامج والسياسات العمومية المنتهجة من طرف الحكومة الحالية.
مهما تعددت التأويلات فإن المرجعية الوطنية الصادقة ستكون حاضرة لدى كل الاطراف، فقد تحل الثقة المتبادلة والكلام الموضوعي المبني على أسس حقيقية ومقنعة محل المزايدة والتصعيد
ومن نافل القول إن لغة التفاوض والحوار تفرض أن نعتبر أي نزاع هو بمثابة فرصة وليس خطرا، فرصة لتطوير آليات إعادة هيكلة الموضوع والدخول في عمقه وتفكيك مكوناته وعقده باعتبار المعالجة هي مسار متكامل بين المراحل، وبالتالي الوصول إلى توافقات وترتيبات وفق أجندة محتملة ومنظمة، مع الابتعاد عن لغة التهديد والوعيد والمزايدة بل والمحاسبة حتى, مهما كانت طبيعتها من كلا الطرفين.
إن المعروف عن السيد رئيس الحكومة الحالي القدرة على اتخاذ القرار والتحمل الكلي في التنفيذ والأجرأة، مما يقتضي منه لزاما رفع كل الطابوهات أو التحفظات قبل فوات الأوان، فعملية التفاوض والحوار يجب أن تكون عملية مفتوحة ولا يجب أن تخضع لموازنة مالية أو أمنية رغم أهميتهما، بل وجب أن تخضع وفقط لمنطق التعاقد العلني من أجل تنمية المجتمع, تنمية شاملة وضع من أجلها جلالة الملك فريقا من الخبراء لإعداد نموذج جديد لتحقيقها يأمل المغاربة جميعا تحقيقه دون مزيد من ضياع الوقت، ولأن الأمر يتعلق بمصلحة وطنية أولا وأخيرا، فالسيد رئيس الحكومة مؤتمن عليها بشكل ديمقراطي باعتبار المسلسل الديمقراطي الذي أدى إلى إفراز هذه الحكومة، وطبعا هناك تقنيات وترتيبات ترتبط في مجملها بالتفاوض في كل الملفات ووفق كل الظروف، إذ أن تقنيات الحوار والتفاوض ليست دائما رسمية وأمام الكاميرات، بل هناك هوامش وبدائل تواصلية يمكن فتحها للاستماع وتبادل الآراء والاقتراحات ومن بعد يمكن اتخاذ القرار.
تكليف رئيس الحكومة لأحد من الوزراء نسبيا ليس له علاقة بالموضوع وله ثقة الأطراف، بعدما تم فقد الثقة في وزارة التربية الوطنية والمكلفين السابقين من طرف الاطراف المضربة،
للحكومة العديد من البدائل من أجل معالجة هذا الملف الذي أصبح يضغط مع مرور الوقت على الجميع، فالأسر ترى في بناتها وأبنائها مستقبلهم الذي ينتظرونه أمام هذا الهدر المخيف للزمن المدرسي، ولا يمكن التكهن بردود الفعل من الجانبين، خاصة بعض الاجتماع الأخير للحكومة مع النقابات الأكثر تمثيلا في قطاع التعليم ورفض باقي التنسيقيات لمخرجات هذا الاجتماع، فالأمر ينذر إما بالتصعيد من جانب المضربين والمؤثرين أكثر من هاته التنسيقيات، أو لا قدر الله اتخاذ اجراءات تصعيدية من جانب الحكومة لفرض فض الإضراب.
ولذلك التحلي بالحكمة واتخاذ المبادرة اليوم هو الأهم من خلال البدائل الممكنة بعيدا عن المصطلحات الضخمة؛ هبة الدولة، التمثيلية، القانون،…. إما بمبادرة من أحزاب الأغلبية الثلاثة باستقبال التنسيقيات والبحث معهم عن بعض التوافقات اللحظية والاتفاقات الممكنة الدائمة وبحث ذلك في اجتماع هيئة الاغلبية بتوزيع الأدوار فيما بينهم، وإما أحزاب المعارضة التي يمكن أن تكون لها دور وطني ايضا بنفس المنهاج، أو تكليف رئيس الحكومة لأحد من الوزراء نسبيا ليس له علاقة بالموضوع وله ثقة الأطراف، بعدما تم فقد الثقة في وزارة التربية الوطنية والمكلفين السابقين من طرف الاطراف المضربة، أو استقبال التنسيقيات رأسا من طرف السيد رئيس الحكومة باعتبار أهمية الموضوع وموقعه اليوم ضمن الاهتمامات المجتمعية وأن لا يحس هذا الأخير بأي حرج لأن الأمر أكبر من حسابات سياسية أو حزبية، ولأن مرجعية ذلك توجد في التوقيع الثلاثي على ميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي لأبريل 2022.
المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي استقبال المضربين كمجتمع مدني في إطار استشاراته الذي تدخل في صميم اختصاصاته وأن يعد تقريرا في الموضوع يرفع إلى رئاسة الحكومة مع بعض الحلول الممكنة في إطار الاحالات الاستشارية الذاتية.
من جانب آخر نذگر هناك بحركة 20 فبراير التي انطلقت بشكل غير مؤسساتي أو تمثيلي لكن قوة تواجدها والظرفية الإقليمية جعلت منها قوة دفع يحسب لها مكانة مجتمعية قوية تهافتت جهات متعددة على استقبال نشطائها والتحاور معهم، وفي الأخير يمكن أن يبادر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي باستقبالهم كمجتمع مدني في إطار استشاراته الذي تدخل في صميم اختصاصاته وأن يعد تقريرا في الموضوع يرفع إلى رئاسة الحكومة مع بعض الحلول الممكنة في إطار الاحالات الاستشارية الذاتية.
وطبعا لي كل اليقين مهما تعددت التأويلات فإن المرجعية الوطنية الصادقة ستكون حاضرة لدى كل الاطراف، فقد تحل الثقة المتبادلة والكلام الموضوعي المبني على أسس حقيقية ومقنعة محل المزايدة والتصعيد، وبالتالي التوصل إلى بعض التوافقات التي يمكن أن تخفف ظرفيا الاحتقان ومواصلة الحوار فيما بعد لترسيخ حوار اجتماعي ممأسس ومنظم بين الأطراف، وأن المكتسبات والتغلب على العراقيل مهما كانت طبيعتها تأتي بالتراكم عبر مراحل. وهو ما يسمح الحكومة بعد ذلك التفرغ إلى الملفات الضخمة الأخرى بما فيها القانون التنظيمي الخاص بحق ممارسة الإضراب وغيرها من الالتزامات الحكومية.