مقالات الرأي
عَطَّاف في دمشق : تكريس الفشل الديبلوماسي الجزائري

البراق شادي عبد السلام
المُلَاحَظُ أن الخطاب السياسي و الديبلوماسي للفاعل المؤسساتي في الجزائر العاصمة قد عرف تحولا مفاهيميا إزاء قضايا الشرق الأوسط بعد مفاجأة السقوط السريع و التهاوي المريع للنظام البعثي في دمشق و حديث الرئيس عبد المجيد تبون إستعداد بلاده لتطبيع العلاقات الجزائرية – الإسرائيلية و إستبدال عبارة ” الصهيونية ” ب ” الإسرائيلية ” في البلاغات التي تدبجها وزارة الخارجية الجزائرية و الزيارة “اللاحدث ” لوزير الخارجية الجزائرية أحمد عطاف إلى سوريا و لقاؤه مع الرئيس السوري محمد الشرع ، لا يمكن إعتباره مرونة سياسية للنظام البومديني في قصر المرادية أو تغيرا إستراتيجيا في مواقفه السياسية أو نوعا من المناورة التكتيكية التي تهدف إلى تحقيق إختراقات ديبلوماسة أو إعادة تكييف الموقف الجزائري بالمتغيرات الجيوسياسية الحالية التي يعرفها العالم بعد تقدير موقف دقيق و رصين يتخذ بناء على تحليل علمي و أكاديمي للمعطيات على الأرض ، أكثر مما هو دليل ملموس على إنهيار الموقف السياسي و الديبلوماسي لدولة الجزائر، هذا الإنهيار كرسته الديبلوماسية الهجومية التي تحولت إلى عقيدة ديبلوماسية أدت إلى هزائم ديبلوماسية متعددة حصدتها الجزائر في السنوات الأخيرة و أثرت على تموقعها الجيوسياسي في الخريطة الدولية و حولت النظام الجزائري إلى تهديد وجودي لمختلف دول الجوار و أحد محفزات حالة اللاإستقرار الإقليمي في منطقة تعج بالمخاطر و الأزمات .
تورط النظام الجزائري في دعم الجماعات الإنفصالية و الإرهابية في الساحل و الصحراء الكبرى و العمل على التلاعب بالأمن القومي لدول الجوار أصبح يشكل أحد أكبر المخاطر التي تهدد الأمن الإقليمي و القاري و الدولي و التدخل الجزائري الفج في مختلف الملفات الإقليمية كالنزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية و الملف الليبي و الملف المالي و البوركينابي و التشادي و السوري و غيرها يؤكد على حقيقة واحدة أن هذا للنظام الوظيفي ماهو إلا واجهة للإستعمار بشكله القديم، فإستمرار دعم هذا النظام لمخطط إستعماري قديم يعود إلى القرن التاسع عشر يهدف إلى تقسيم المملكة المغربية و فصل أقاليمها التاريخية عن العرش العلوي المجيد هو تأكيد لهذه الهوية الوظيفية الإستعمارية الفاقدة لمعاني الإستقلالية و السيادة .
اليوم النظام الجزائري يسوق داخليا زيارة أحمد عطاف الخاطفة إلى سوريا و لقاءه بالقيادة السورية الجديدة على أنها إنتصار سياسي و سبق ديبلوماسي إقليمي حيث تحاول الديبلوماسية الجزائرية البحث عن موطأ قدم في سوريا الجديدة من أجل توهيم الشعب الجزائري بأسطورة القوة الإقليمية الكبرى و الدولة المهيمنة على جوارها بعلاقاتها المتعددة الأبعاد و المواقف ، لكن الحقيقة أن النظام الجزائري ظل وفيا لدعم إجرام نظام الأسد في حق الشعب السوري الشقيق من خلال الدعم المباشر و العلني و الخفي للجيش السوري إلى مابعد سقوط نظام الأسد ، حيث تشير العديد من التقارير إلى الجسر الجوي الذي نقل قيادات سورية عسكرية و أمنية ومدنية رفيعة المستوى من قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية إلى قاعدة جوية في دولة بشمال إفريقيا من المرجح أن تكون ليبيا أو الجزائر .
القيادة السورية الجديدة حسب تصريحات للرئيس السوري الجديد إنتقلت من منطق الثورة إلى منطق الدولة في تدبير الأزمة السورية من منطلق براغماتي يهدف إلى الحفاظ على المصالح العليا للشعب السوري ، و على هذا الأساس هناك ملفات كثيرة فوق الطاولة بين الجانب السوري و الجزائري أهمها إعادة الأموال و الأصول التي قد تكون نقلت إلى آماكن آمنة في الجزائر و تسليم النظام الجزائري للقيادات العسكرية و المخابراتية المتورطة في جرائم الحرب بسوريا التي إتخذت من الجزائر مستقرا آمنا لها و التي تؤكد العديد من التقارير إندماجها في الفيلق الإفريقي الروسي إسوة بقيادات عسكرية و أمنية تابعة لنظام القذافي في ليبيا و التي تتخذ الجزائر كمستقر لها .
الحقيقة أن النظام الجزائري له ماض دموي مع الشعب السوري، حيث كان من الأنظمة العربية القليلة التي تحفظت على قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية عام 2011 بعد الجرائم المروعة التي إرتكبها نظام الأسد و عمليات التهجير القسري للشعب السوري نحو المنافي ، كما أكدت تقارير اخرى على تورط الجيش الجزائري في الدعم العسكري و المادي لميليشيات الأسد حيث قام النظام الجزائري بتزويد طائرات النظام السوري بالوقود على مدى عشر سنوات بعد فرض العقوبات الدولية على النظام السوري ، مما أتاح للأسد الاستمرار في حملاته الجوية المدمرة بالبراميل المتفجرة و غيرها من الأسلحة الفتاكة التي إستهدفت مدنًا مثل حمص وحلب ودرعا وإدلب ودير الزور. ولم يتوقف الدعم عند هذا الحد، بل قدمت الجزائر أيضًا ذخائر وعتادًا عسكريًا، بما في ذلك قذائف لراجمات الصواريخ والدبابات والمدفعية، وهو ما تم توثيقه في سجلات وزارة الدفاع السورية وجهاز الاستخبارات العسكرية، و كان له دور كبير في ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المدنيين.
بالعودة لتاريخ العلاقات بين النظام الجزائري و نظام الأسد في سوريا نجد توافقا دائما و مستمرا بين النظامين بسبب التشابه الكبير في التوجهات الإيديولوجية و السياسية بينهما لدرجة التطابق فالنظام السوري البائد كان نتيجة لسلسلة إنقلابات نفذتها المؤسسة العسكرية في دمشق آخرها الحركة التصحيحية التي قادها حافظ الأسد ضد الرئيس السوري صلاح جديد سنة 1971 و التي أغرقت البلاد في عقود طويلة من الظلام و الفساد و الإستبداد و الطائفية و العنف تحت حكم عائلة الأسد ، و كذلك النظام الجزائري هو نتيجة لإنقلاب الكولونيل الهواري بومدين قائد جيش الحدود الجزائري على يوسف بنخدة الرئيس الثاني للحكومة الجزائرية المؤقتة في سبتمبر 1961 ، هذا الإنقلاب تبعته ما سمي بالحركة التصحيحية في 18 يونيو 1965 بعد الهزيمة المدوية للجيش الجزائري في حرب الرمال على يد الجيش الملكي المغربي و غيرها من التطورات الداخلية و الخارجية التي أججت الوضع السياسي و الاجتماعي في الجزائر ، و استمرت سلسلة الإنقلابات في الجزائر بإنقلاب الجيش على السلطة في 12 يناير 1991 و إنقلاب شنقريحة على الحراك الشعبي الجزائري بعد الوفاة الغامضة للجنرال القايد صالح في 2021 .
في نفس السياق السوري و في الأسبوع الأول من شهر يناير 2025 شارك وفد كردي من تنظيم ” روج – آفا ” أو الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التابعة لوحدات الحماية الكردية التي تشكل إمتدادا عضويا و حليفا موضوعيا و فكريا للحزب العمالي الكردستاني بتركيا في نشاط تضامني نظمته ميليشيا البوليساريو الإرهابية في مراكز عملياتها المتقدمة بتندوف مما بعتبر تهديدا صريحا للوحدة الترابية و سيادة و إستقلالية سوريا و تركيا من طرف البوليساريو و صانعتها الجزائر حيث قامت عناصر إنفصالية تابعة لروج – آفا إنطلاقا من العمق الجزائري برفع علم الإنفصال الكردي و تقديم عروض حول العمليات الأمنية و العسكرية التي تنفذها وحدات حماية الشعب الكردية ضد الجيش التركي و باقي الفصائل السورية .
فتح المراكز الأمنية المتقدمة لميليشيا البوليساريو بتندوف لتدريب و إحتضان جماعات إنفصالية كردية تهدد الأمن القومي السوري و ميكانيزمات الصراع في الشرق الأوسط يؤكد فشل صانع القرار السياسي الجزائري في تقديم قراءة دقيقة لطبيعة الأحداث الإقليمية المتسارعة والمتقاطعة المصالح بين مختلف القوى الفاعلة في فضاء جغرافي إقليمي و قاري يعرف العديد من المخاطر ، في الوقت الذي ينتظر فيه العالم حلولا نابعة من القوى الإقليمية للإشكالات الإقليمية من خلال تقوية دور الدول الوطنية نجد أن الديبلوماسية الجزائرية لازالت تتناول الإشكالات الإقليمية بمقاربة كلاسيكية و تحدد طبيعة تفاعلها على أساس تقدير موقف متجاوز يرتكز على دعم الميليشيات الإنفصالية و الإرهابية بشكل لا يتناسب مع الجهود المفروض وجودها لصياغة رؤية إستراتيجية مناسبة تجاه التفاعلات والسلوكيات الإقليمية و بشكل خاص عند إعادة توجيه وتشكيل الدبلوماسية الجزائرية في تحركاتها تجاه محيطه الدولي و القاري و الإقليمي في علاقته مع المتغيرات الكبرى التي عرفها المشهد الجيوسياسي العالمي .
لجوء الديبلوماسية الجزائرية بقيادة أحمد عطاف إلى إستقبال عناصر إنفصالية كردية و توفير الغطاء السياسي لتحركاتها و نشر دعاياتها هو تأكيد على فشل الديبلوماسية الجزائرية في الترافع الجدي و المسؤول عن مواقفها الخاطئة وحالة التخبط السياسي و الديبلوماسي التي يعيشها الجهاز الإداري لوزارة الخارجية منذ عقود و عجز احمد عطاف عن تقديم تصور واضح و فكرة دقيقة للنهوض بعمل الديبلوماسية الجزائرية نتيجة إرتهانها لرغبات جنرالات الجزائر و إعتمادها على ميليشيا إنفصالية بإمتدادات إرهابية لتحقيق إختراقات سياسية عن طريق تحويل مخيمات تندوف لمنطقة رخوة أمنيا تستقبل عناصر إنفصالية من مختف أنحاء العالم لزعزعة إستقرار الدول الإقليمية و بالتالي فالديبلوماسية الجزائرية أصبحت جزءا من العطب الإقليمي و سياساتها العدائية إتجاه جوارها أصبحت تشكل أحد المخاطر الكبرى في المنطقة نتيجة العقيدة التصادمية لهذا النظام و محاولته لعب أدوار إقليمية رائدة بتدخله الفج في العديد من القضايا الإقليمية حيث تحول إلى أحد محركات الصراع في المنطقة بدل أن يكون بإعتبار حالة الإستقرار النسبية التي يعيشها النظام الجزائري أحد صمامات الأمان الإقليمية .