مقالات الرأي
لايجب أن ننسى “ريان” وكيف مات…وكيف دُك جبل في أربعة أيام لإخراجه.

حنان بكور
شاءت الأقدار أن يخرج الطفل ريان من البئر إلى القبر..إرادة رب العالمين اختارت طفلا علاقته بالحياة خمس سنوات، قضاها مجهولا في أقاصي المغرب العميق، ليكون دروسا علنية شاملة في الإنسانية والتضامن..في تدبير الأزمات..في مفاهيم المسؤولية الجماعية للشعوب في تغيير واقعها..في أزمة الإعلام الموجه والصحافة الرديئة التي بقينا نتعايش مع توحشها حتى أكلتنا…روح ريان كانت قربانا كي نفهم كل هذه الدروس ونقف عندها..ونرى وجهنا في مرآة الحقيقة التي تدفع أيادي الشر لنكفر بها وبأنفسنا…أيادي الشر التي دورت آلاتها المتعددة في كل الاتجاهات…حتى نكذب المرآة ونصدق رواياتها مهما ناقضت العقل والمنطق والأخلاق…والإنسانية.
لا أحد ينكر المجهودات التي بدلت من أجل صون حق طفل من أبناء الوطن في الحياة…هذا لا ينكره سوى جاحد، فكلنا تابعنا مشاهد بطولية مشتركة بين السلطات والأفراد لإخراج ريان ومعه قلوب المغاربة والعالم من البئر..كانت الدعوات لريان ولهم..وهذا واجب الدولة التي قصرت في تمتيعه بحقه في الحصول على قطرة ماء، فكان ضروريًا أن تحرك جبلا لتمتعه بحقه في الحياة التي كانت قاسية عليه وعلى أهله برحيله. رأينا مشاهد حركت القلوب، وحركت أيضا مئات الأسئلة الراقدة تحت الجسر..من حقنا أن نتألم ونلهث بالدعاء لرب العالمين لريان ولجهد السلطات والأفراد..لكن من حقنا أيضا أن نطرح الأسئلة…من حقنا أن نطرح الأسئلة عن عمق البئر، ومن حقنا أيضا أن نطرح الأسئلة عن حق ريان وجيرانه في قطرة ماء لا يكلف الحصول عليها حياة برعم لم يفرح بمحفظته…
أخرجت الجهود ريان جثة من البئر…لكن أشياء كثيرة في بئر أعمق تنتظر أن تمتد إليها أيادي الحرية والعدالة الاجتماعية، وخطط النموذج التنموي الحقيقي.
من حقنا أن نتساءل عن امكانات بلادنا لمواجهة حوادث مشابهة ولربما أفظع..لا أن نشيطن مستشار وزير لأنه عبر عن وجهة نظر مخالفة وندفعه للتوضيح الشبيه بالعقاب..طرح الأسئلة ليس كفرًا ولا جرمًا، ولا يمكن أن نشيطن الناس فقط لأنها تساءلت خارج النسق، فلا أحد يمكنه الجزم بامتلاكه الحقيقة المطلقة ولا الخطط الثابتة…طرح الأسئلة ليس تقليلًا ولا تبخيسا لأي جهد..طرح الأسئلة من دعامة المواطنة الحقة التي تستوي بها أساليب الحكامة والتدبير، الوطنية هي الافتخار بالإنجازات…وهي أيضا الجهر بالنواقص مهما كانت معيبة ومحرجة…أما النوم فوق الجروح فلا يقودها سوى إلى التعفن.
واقعة ريان الأليمة…فتحت أعيننا من جديد على ما صرنا نتعايش معه…حركت المياه الراكدة، وزعزعت ما كنا نخاله ثابتا..فتحت أعيننا على اختلال ميزان العدالة الاجتماعية وهوة الفوارق بين المغاربة…بعضهم يعيش عصره، وآخرون خارج العصور.
الكثير منا بكى ريان، وبكى أكثر طريقة موته…مات ابننا في بئر..في سنة 2022!
أخرجت الجهود ريان جثة من البئر…لكن أشياء كثيرة في بئر أعمق تنتظر أن تمتد إليها أيادي الحرية والعدالة الاجتماعية، وخطط النموذج التنموي الحقيقي.
في هذه المحنة أيضا، شعر الكثيرون بالخجل والعار من البئر الذي سقط فيه قطاع الصحافة والإعلام..صار المغاربة “عراة” أمام عدسات كاميرات عديمة الضمير والأخلاق. يوم تشكلت كتيبتها الأولى صدح القلة اللهم إن هذا منكر، فتم رميهم بحجر…ما كان محصورا في “مهام خاصة” تحول إلى روتين يومي والنتيجة أن وقعنا جميعًا في البئر!
ما عشناه خلال هذه الأيام من لحظات عصيبة، أكد أن التغيير ممكن…فقط يجب أن لا ننسى ريان وكيف مات…وكيف دُك جبل في أربعة أيام لإخراجه.
_مأخوذ من صفحتها على الفايسبوك_