قضايا التنمية والشباب.. أسس راسخة في التوجهات الاستراتيجية للمملكة تستلزم تفعيلاً بنتائج ملموسة

لمياء الخلوفي دكتوراة في القانون والعلوم السياسية
تجسد الخطابات الملكية المتعاقبة التي يوجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مرجعية عليا في رسم معالم السياسات العمومية، وتوجيه بوصلة العمل الوطني نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. فالاهتمام الملكي المتواصل بقضايا التنمية والشباب لا ينفصل عن الرؤية الاستراتيجية الكبرى التي تروم جعل المواطن محور كل مشروع تنموي، ومركز اهتمام كل إصلاح مؤسساتي أو اجتماعي.
أولا: التنمية كخيار استراتيجي ومبدأ مواطني
إن الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية يأتي ليؤكد على أن التنمية ليست مجرد شعار ظرفي، بل هي خيار استراتيجي راسخ في التوجهات الكبرى للمملكة. فالتنمية، كما رسم معالمها جلالته، ترتكز على المشاركة الفعلية لجميع الفاعلين: الدولة، والمؤسسات المنتخبة، والمجتمع المدني، والمواطن الفرد، في صياغة وتنزيل السياسات العمومية.
ويؤكد هذا التوجه على ضرورة إشراك المواطن في صنع القرار التنموي على أساس من الشفافية التواصلية والمساءلة المشتركة، بما يعزز الثقة بين الدولة والمجتمع، ويكرس مبدأ الحكامة الجيدة كركيزة أساسية لأي تحول تنموي حقيقي.
ثانياً: العدالة المجالية ركيزة التنمية المتوازنة
من أهم ما تميز به التصور الملكي لمسار التنمية هو الوعي العميق بضرورة تحقيق الإنصاف الترابي وتجاوز الفوارق المجالية بين مختلف مناطق المملكة. فالتنمية لا يمكن أن تحقق أهدافها إذا ظلت حبيسة المراكز الحضرية الكبرى، بل يجب أن تشمل العالم القروي والمناطق الجبلية والنائية، في تكامل يعزز وحدة التراب الوطني ويكرس العدالة الاجتماعية والمجالية.
ولهذا، دعا جلالته في أكثر من مناسبة إلى اعتماد سياسات عمومية تراعي خصوصيات كل منطقة وتستثمر في إمكاناتها الطبيعية والبشرية، انسجاما مع مبدأ التمييز الإيجابي الذي يجعل من التنمية وسيلة لتحقيق الإنصاف وليس فقط النمو الاقتصادي.
ثالثاً: الشباب في صلب المشروع التنموي الوطني
لا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة دون التوقف عند الدور المحوري للشباب، باعتبارهم القوة الحيوية للأمة وعماد مستقبلها. فالخطابات الملكية تؤكد باستمرار على ضرورة تأهيل الشباب وتمكينهم من فرص التعليم الجيد والتكوين المهني الملائم والإدماج الاقتصادي والاجتماعي الفعّال.
إن توجيهات جلالته في هذا الإطار تتجاوز الخطاب إلى دعوة صريحة لوضع سياسات شبابية مندمجة تتأسس على الابتكار، والمواكبة، ودعم روح المبادرة، بما يجعل الشباب فاعلين رئيسيين في التنمية، لا مجرد مستفيدين منها.
رابعاً: من التشخيص إلى الفعل.. نحو نتائج ملموسة.
ركز الخطاب الملكي على تجاوز منطق التشخيص وإعادة إنتاج نفس الخطابات، إلى مرحلة الفعل والمبادرة. فالتنمية الحقيقية، كما جاء في الرؤية الملكية، تتطلب عملاً مؤسساتياً منسقاً يقوم على التخطيط المحكم، والتمويل المسؤول، والتتبع والتقييم المستمر.
إن تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمملكة لا يمكن أن يتم إلا من خلال سياسات عمومية مبنية على الحكامة الرشيدة والمحاسبة الفعلية، بما يضمن الشفافية ويقوي الثقة في المؤسسات.
خاتمة:
إن جوهر الخطاب الملكي الأخير يتمثل في تأكيده على أن التنمية ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل هي مشروع وطني مشترك تتقاسمه كل المكونات المجتمعية. فالمغرب اليوم في مرحلة تتطلب الانتقال من الوعي النظري إلى الإنجاز العملي، ومن التشخيص إلى التنفيذ، في إطار رؤية استراتيجية واضحة المعالم، قوامها العدالة، والمواطنة، والمسؤولية.
إن الرهان على الشباب، وتعزيز العدالة المجالية، وترسيخ الحكامة والمحاسبة، ليست مجرد توجهات سياسية، بل هي اختيارات مصيرية تمثل أساس المشروع المجتمعي المغربي الحديث الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس نحو آفاق التنمية المستدامة والعدالة الشاملة.



