
البلد.ma
في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالمواطنين، ظهرت تصريحات وزير التجهيز والماء، نزار بركة، كالصاعقة على المتابعين، عندما كشف في برنامج حواري على القناة الأولى المغربية أن مستوردي الأغنام والأبقار حققوا أرباحًا ضخمة تجاوزت 13 مليار سنتيم على حساب جيوب المواطنين.
هذه التصريحات أثارت جدلاً واسعًا، خاصةً وأن بركة يشغل منصبًا حكوميًا في الحكومة الحالية التي تنتمي إليها العديد من الشخصيات المستفيدة بشكل غير مباشر في قضايا السوق والممارسات التجارية.
فما الذي يريد بركة أن يقوله من وراء هذه التصريحات؟
وهل يمكن أن تكون خطوة مدروسة من طرفه أم مجرد لحظة ارتجال سياسية؟
ماذا يريد بركة من وراء هذه التصريحات؟
يمكن قراءة تصريحات نزار بركة من عدة زوايا.
فمن جهة، قد تكون محاولة لتوجيه أصابع الاتهام إلى فئة معينة من الفاعلين الاقتصاديين الذين استفادوا من عمليات استيراد الأغنام والأبقار في وقت يشهد فيه المواطن المغربي تدهورًا في قدرته الشرائية.
ومن جهة أخرى، يمكن اعتبارها خطوة استفزازية تهدف إلى خلق حالة من الجدل السياسي لإحداث زعزعة داخل الحكومة نفسها أو حتى تلميع صورة حزب الاستقلال الذي يقوده بركة، في وقت يتعرض فيه الحزب لانتقادات كبيرة بخصوص مواقفه ضمن التحالف الحكومي.
إن حديثه عن الأرباح الطائلة التي حققها المستوردون على حساب المواطنين يحمل في طياته رسالة مبطنة.
ففي حين أن الحكومة هي المسؤولة عن السياسات الاقتصادية، يبرز بركة وكأنه ينتقد السياسات التي أدت إلى هذه الوضعية، أو على الأقل يطالب بمراجعتها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل بركة يتخذ هذه المواقف من داخل الحكومة لتحسين الوضع، أم أنه مجرد نقد غير مباشر لسياسات الحكومة التي هو جزء منها؟
التركيز على أرباح المستوردين: هل هو اتهام ضمني للسياسات الحكومية؟
من الواضح أن بركة أراد من خلال تصريحاته تسليط الضوء على الفجوة الكبيرة بين الأسعار التي يدفعها المواطنون وبين الأرباح التي يحققها بعض رجال الأعمال في القطاع التجاري.
والأرباح التي بلغت 13 مليار سنتيم، كما ذكر بركة، تثير العديد من الأسئلة حول كيفية إدارة السوق وحماية حقوق المستهلكين في وقت يعاني فيه المواطنين من ارتفاع تكاليف المعيشة.
لكن السؤال الأهم: لماذا أشار بركة إلى هذا الموضوع الآن؟
هل هي رسالة موجهة للداخل الحكومي؟
هل يحاول تحفيز الحكومة على مراجعة سياساتها الاقتصادية بشكل جدي؟
أو ربما هو مجرد خروج عن المألوف في خطاب المسؤولين الذين عادة ما يظلون ملتزمين بالصمت في قضايا مثل هذه؟
تأثير التصريحات على حزب الاستقلال والتحالف الحكومي
من جهة أخرى، يمكن أن تكون هذه التصريحات جزءًا من استراتيجية حزب الاستقلال نفسه، الذي ربما يسعى لإثارة النقاش حول دوره داخل التحالف الحكومي.
في وقت يشهد الحزب تراجعًا في شعبيته بسبب مواقفه السياسية الغامضة في الحكومة، قد يكون بركة يحاول عبر هذه التصريحات إظهار الحزب على أنه مدافع عن مصالح المواطنين.
هذا النوع من التصريحات قد يخلق مساحة له ولحزب الاستقلال ليلعب دورًا أكبر في المشهد السياسي المغربي، على حساب حكومة ربما لا تحظى بثقة شعبية كبيرة.
وقد يُنظر إلى تصريحات بركة أيضًا على أنها بمثابة محاكاة لمواقف المعارضة، حيث يصطف الوزير مع المواطنين ضد المستفيدين من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.
هذا الموقف يمكن أن يساعد الحزب في تحسين صورته بين الناخبين الذين يتطلعون إلى ممثلين سياسيين ينحازون لهم في مواجهة المستغلين.
هل هذا تمرد داخل الحكومة؟
رغم أن بركة جزء من الحكومة التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار، إلا أن تصريحاته الأخيرة قد تفتح بابًا للتأويلات حول صراع داخلي بين أعضاء الحكومة.
فهل هناك خلافات بين أطراف الحكومة بخصوص الطريقة التي يجب التعامل بها مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية؟
أم أن بركة، الذي يمتلك خلفية سياسية قوية، يتصرف بشكل مستقل عن الحكومة من أجل الدفع بمواقف حزب الاستقلال نحو الواجهة؟
من المؤكد أن هذا النوع من التصريحات سيزيد من تعقيد العلاقات داخل التحالف الحكومي، وقد يكون بداية لمزيد من التباين في مواقف الوزراء.
خاتمة
من خلال تصريحاته المثيرة، لا يبدو أن نزار بركة كان يهدف فقط إلى طرح مشكلة اقتصادية، بل أراد أن يخلق نقطة نقاش سياسية تثير الانتباه إلى أبعاد مختلفة من السياسات الحكومية والاقتصادية.
سواء كان هذا تلاعبًا سياسيًا مدروسًا أو مجرد موقف عابر، فإن تصريحاته تمثل تسليطًا للأضواء على التحديات التي يواجهها المواطن المغربي.