دعي نحو 61 مليون ناخب في إيران الجمعة للادلاء بأصواتهم في الدورة الثانية من انتخابات رئاسية يتواجه فيها المرشح الإصلاحي مسعود بيزشكيان الذي يدعو للانفتاح على الغرب، والمفاوض السابق في الملف النووي المحافظ المتشدد سعيد جليلي المعروف بمواقفه المتصل بة إزاء الغرب.
وبدأت عمليات الاقتراع عند الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي (الساعة 04,30 ت غ) في 58638 مركزا في انحاء البلاد الشاسعة من بحر قزوين شمالا إلى الخليج جنوبا.
وأدلى مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي بصوته مع فتح مراكز الاقتراع على ما أظهرت مشاهد بثها التلفزيون الرسمي.
وهذه الانتخابات التي جرت دورتها الأولى في 28 يونيو نظمت على عجل لاختيار خلف لابراهيم رئيسي الذي قتل في حادث مروحية في 19 مايو.
وتلقى هذه الدورة الثانية متابعة دقيقة في الخارج، إذ إن إيران، القو ة الوازنة في الشرق الأوسط، هي في قلب الكثير من الأزمات الجيوسياسي ة، من الحرب في غزة إلى الملف النووي الذي يشكل منذ سنوات عدة مصدر خلاف بين الجمهورية الإسلامية والغرب ولا سيما الولايات المتحدة.
وتجري هذه الانتخابات وسط حالة استياء شعبي ناجم خصوصا عن تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات الغربية التي أعيد فرضها على الجمهورية الإسلامية.
وفي الدورة الأولى التي جرت قبل أسبوع، بلغت نسبة الإقبال على التصويت 39,92% من أصل 61 مليون ناخب، في أدنى مستوى لها على الإطلاق منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل 45 عاما ، علما بأن نسبة المشاركة في التصويت كانت في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته تناهز 80%.
وسيفصل الناخبون في الدورة الثانية بين بيزشكيان (69 عاما) الذي يدعو إلى الانفتاح على الغرب، وجليلي (58 عاما ) المعروف بمواقفه المتصلبة في مواجهة القوى الغربية.
وفي الدورة الأولى نال بيزشكيان 42,4% من الأصوات في مقابل 38,6% لجليلي بينما حل ثالثا مرشح محافظ آخر هو محمد باقر قاليباف.
وكان بيزشكيان شبه مغمور حين دخل الانتخابات لكنه تمكن من تصدر السباق مستغلا انقسام المحافظين الذين فشلوا في الاتفاق على مرشح واحد.
ودعا قاليباف أنصاره للتصويت لجليلي في الدورة الثانية، بينما يحظى بيزشكيان بدعم الرئيسين السابقين الإصلاحي محمد خاتمي والمعتدل حسن روحاني.
في المقابل، دعت شخصيات معارضة داخل إيران وكذلك في الشتات، إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرة أن المعسكرين المحافظ والإصلاحي وجهان لعملة واحدة.
وبيزشكيان طبيب جر اح ونائب عن مدينة تبريز في شمال غرب البلاد ولديه خبرة محدودة في العمل الحكومي تقتصر على شغله منصب وزير الصحة بين 2001 و2005 في حكومة الرئيس خاتمي.
وع رف بيزشكيان بكلامه الصريح، إذ لم يترد د في انتقاد السلطات خلال الحركة الاحتجاجية الواسعة التي هزت إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022 بعد توقيفها لعدم التزامها قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.
وخلال مناظرة متلفزة جرت بينهما مساء الإثنين، ناقش الخصمان خصوصا الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد والعلاقات الدولية وانخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات والقيود التي تفرضها الحكومة على الإنترنت.
وقال بيزشكيان إن “الناس غير راضين عنا”، خصوصا بسبب عدم تمثيل المرأة، وكذلك الأقليات الدينية والعرقية، في السياسة.
وأضاف “حين لا يشارك 60% من السك ان (في الانتخابات)، فهذا يعني أن هناك مشكلة” مع الحكومة.
من جهته أعرب جليلي عن قلقه إزاء انخفاض نسبة المشاركة لكن من دون إلقاء اللوم على السلطة.
لكن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي دعا الأربعاء الناخبين إلى المشاركة في الاقتراع قال إن ه “من الخطأ تماما الاعتقاد بأن أولئك الذين لم يصو توا في الجولة الأولى هم ضد النظام”.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أك د جليلي خلال المناظرة قدرته على تحقيق نمو بنسبة 8%، في مقابل 5,7% بين مارس 2023 مارس 2024.
كذلك، ذكر جليلي بمعارضته أي تقارب بين إيران والدول الغربية.
كان جليلي، المفاوض في الملف النووي بين عامي 2007 و2013، معارضا بشد ة للاتفاق الذي أبرم في نهاية المطاف بين ايران والقوى الكبرى بينها الولايات المتحدة، والذي فرض قيودا على النشاط النووي الإيراني في مقابل تخفيف العقوبات.
من جهته، أعلن بيزشكيان أنه سيضع في أعلى سلم أولويات حكومته إحياء الاتفاق المجمد منذ أن انسحبت واشنطن منه عام 2018 في خطوة أحادية ترافقت مع إعادة فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.
وأيا تكن نتيجة الانتخابات، فتأثيرها سيكون محدودا على توجه البلاد لأن للرئيس في إيران صلاحيات محدودة. وتقع المسؤولية الأولى في الحكم في الجمهورية الإسلامية على عاتق المرشد الأعلى الذي ي عتبر رأس الدولة، أما الرئيس فهو مسؤول على رأس حكومته عن تطبيق الخطوط السياسية العريضة التي يضعها المرشد الأعلى.
وفي العاصمة، قال جواد عبد الكريم، وهو طباخ يبلغ 42 عاما، لوكالة فرانس برس إنه سيدلي بصوته الجمعة لكن “ما زلت لا أعرف لمن”، آملا في أن تساهم الحكومة الجديدة في إبطاء وتيرة التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
من جهتها، قالت فاطمة المتقاعدة البالغة 75 عاما، إنها ستمتنع عن التصويت لأن “كلا المرشحين (…) لا يهتمان بالناس إطلاقا”.
أما علي، الطالب البالغ 24 عاما الذي فض ل عدم ذكر اسمه كاملا ، فقال إن الخيار الأفضل بالنسبة إليه هو بيزشكيان لأنه “قادر على فتح البلاد أمام بقية العالم”.
وكان المرشح الإصلاحي دعا إلى “علاقات بناءة” مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل “إخراج إيران من عزلتها”.
بالمقابل، جدد جليلي تأكيد موقفه المتشد د تجاه الغرب، معتبرا أن طهران لا تحتاج لكي تتقدم أن تعيد إحياء الاتفاق النووي الذي فرض قيودا مشددة على نشاطها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها.
وقال إن هذا الاتفاق “انتهك الخطوط الحمر لطهران” من خلال القبول بـ”عمليات تفتيش غير عادية للمواقع النووية الإيرانية”.
وخلال مشاركتها في مهرجان انتخابي مساء الأربعاء، قالت مريم الناروي (40 عاما ) إن جليلي يمثل “الخيار الأفضل لأمن البلاد”.
وطوال مسيرته المهنية، تمكن جليلي بفضل ثقة المرشد الأعلى به من أن يتبو أ مناصب رئيسية في النظام.
وجليلي هو حاليا أحد ممثلي المرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي، أعلى هيئة أمنية في البلاد.
ومن المقرر أن تعلن نتائج الدورة الثانية ظهر السبت.