مقالات الرأي

جهود مواجهة كورونا تستحق استراتيجية تواصلية ناجعة

بقلم : يونس التايب

إيمانا بأهمية دعم الجهود التي تبذلها الدولة لمواجهة وباء فيروس كورونا، كتبت في بدايات الجائحة منبها إلى ضرورة وضع استراتيجية تواصلية عمومية شاملة، تعين على إيصال الخطاب التوعوي للناس، و تشرح لهم نقط القوة و الضعف في واقع تدبيرنا اليومي لتفاصيل المواجهة، و تساعد في تنزيل التدابير التي تتخذها السلطات العمومية بشكل سلس يتقبله المواطنون، خاصة عندما تكون تلك التدابير مفاجئة أو تبدو صعبة التنفيذ.

و لأن التواصل حول موضوع كورونا، لا زالت تعتريه، إلى حدود اليوم، تجاذبات بين من يشكك في حقيقة وجود موجات جديدة من العدوى، و بين من لا يبالي بالتنبيهات التي تصدر حول ظهور سلالات متحورة، و من لا زال يتساءل عن سبب عدم تعميم إجراء الفحص بأثمنة معقولة حتى يسرع الناس لمعرفة هل هم مصابين أم لا، و بين من يتردد في أخذ جرعات التلقيح، و من يشكك في جدوى قرارات منع التجول و إغلاق بعض المرافق العامة، يبدو واضحا أن علينا التحرك باستعجال لتطوير التواصل العمومي.

و لذلك  علينا أن ننتبه إلى أن النجاح في نشر الوعي بخطورة الوباء، و ضمان اقتناع الناس بالانخراط الإيجابي في مواجهته، و الصبر على ما سيفرضه من تغييرات في سلوكاتنا، و تسهيل تأقلم المواطنين مع نتائج تحول الوضع الوبائي بشكل سريع، والقبول بما تقرره السلطات العمومية من تدابير تفرضها المعطيات الميدانية، كلها أمور تحتاج إلى استراتيجية تواصلية عمومية شاملة، متناسقة و استباقية و تفاعلية، يتم تنزيلها بشكل فعال لتتحقق نجاعة الأثر و قوة الوقع.

و من شروط وضع تلك الاستراتيجية التواصلية التي نحتاجها، أن يستوعب القائمون عليها أن تغيير السلوك البشري يكون سهلا إذا كانت الخطابات التوعوية، و البيانات الإحصائية، و التدابير التي تتخذها السلطات العمومية، متجانسة من حيث المعنى، يدعم بعضها أثر بعض في وجدان الناس. و يستحب أن لا يشوب التدابير التي يتم إقرارها، ما يضعف المنطق الذي تتأسس عليه، لا في مسألة توقيت الإعلان عنها، أو في مسألة المهلة الزمنية التي تمنح للناس كي يأخذوا ترتيباتهم، خاصة و نحن في فترة الصيف التي تعرف كثرة التنقل و الإجازات السنوية و العطل، و الحفلات و الأنشطة التي تكون الأسر المغربية قد برمجتها من قبل، في سياق سنتين من شبه توقف الحياة الاجتماعية بسبب الحذر و التوجس من الوباء.
و غير خاف أن ضبط توقيت الإعلان عن تدابير جديدة تتخذها السلطات العمومية، و منح الناس مهلة زمنية كافية ليستوعبوا ما هو مطلوب منهم، يسهل على المواطنين الاقتناع بتجانس التدابير المتخذة مع أسباب نزولها، و يعزز الثقة في الرسائل التواصلية العمومية، و يقلل من استهانة الناس بالتوجيهات و يلزمهم أخلاقيا باتباعها بالجدية و الحزم المطلوبين.
و بما أن قدرة الناس على التأقلم تحتاج وقتا و تواصلا محفزا يشرح المخاطر المطروحة، يتعين على السلطات العمومية المعنية أن تعتبر الامتعاض الذي يعبر عنه الرأي العام، في كل ليلة تصدر إجراءات جديدة تفرضها مستجدات تطور الوباء، سببا لتصحيح الأداء التواصلي العمومي كي تعود له الفعالية، لأننا في ظرف وبائي لا نحتاج فيه إلى استخفاف الناس بخطر الوباء، و لا إلى تضييع مقومات قوة حقيقية نتوفر عليها لتدبير تواصل الأزمة الذي نحن بصدده.
يتعين أخذ هذا الأمر بجدية كبيرة، لأن المستقبل سيحتاج منا يقظة مجتمعية كبيرة، و ثقة قوية في مؤسساتنا الرسمية حتى يتعزز التعاون معها لإنجاح المواجهة مع وباء لا زال بعيدا عن خط النهاية. و مما لا شك فيه أن ما هو قادم من سلالات متحورة، سيجعلنا مضطرين إلى تحيين استراتيجيات التحرك الوقائي، و اتخاذ تدابير جديدة بشكل سريع، و تغيير وسائل التدخل و مساحات التحرك، تماشيا مع مستلزمات عهد وبائي عالمي جديد. و حتى يكون ذلك سهلا يجب أن نلتزم بوحدة الصف في التعاطي مع وباء غير مسبوق، يعني الجميع و يلزم الجميع.
كما يتعين الجمع بين ضرورة تعزيز جهود الدولة و بين تقوية صمود المجتمع، من خلال سلسلة خطوات، منها :
– تكثيف الانخراط في الحملة الوطنية للتلقيح، و تقوية تأطيرها الاحترافي المتميز.
– تخفيف الضرر عن الفئات الاجتماعية و المهنية غير المهيكلة، التي تتأثر من بعض التدابير التي يتم اتخاذها.
– إبقاء صمود اقتصادنا الوطني في وجه الأزمة عبر ترشيد الاستثمار العمومي، و حسن استعمال آليات التحفيز و الدعم القطاعي.
– رفض التعاطي مع تدبير الجائحة، بمنطق شعبوي و سياسوي بخلفية تسجيل نقط لطرف سياسي ضد آخر. و توضيح ما لم يفهمه الناس في التدابير التي تحد من حريتهم، عوض تركهم عرضة لخطابات تأجج غضبهم.
من المؤكد أن أسباب الارتباك التواصلي المجتمعي الذي نحن إزاءه، تحتاج إلى دراسة عميقة تتجاوز تحديات اللحظة الراهنة. و قد يكون مفيدا أن يناقش الموضوع ضمن المجهود الاستراتيجي لتصحيح واقعنا عبر نموذجنا التنموي الجديد، و عبر ميثاق اجتماعي و قيمي وطني يؤطر سيرنا المستقبلي. لكن، في انتظار ذلك، نحن مدعوون إلى تجاوز ضعف الخطاب التواصلي التوعوي، من خلال إعادة بناء استراتيجية للتواصل العمومي، تستطيع مواكبة استراتيجية تدبير مواجهة جائحة كورونا، على أساس الشمولية و التفاعلية و التشاركية، و اعتماد أنماط تواصلية فيها تجديد في الشكل و في مضمون الخطاب، و استثمار جيد لما تتيحه ثورة تكنولوجيات الإعلام و الاتصالات.
بذلك يمكن أن تتقوى قدرة الناس على فهم مضامين قرارات تصدر فجأة، لتحمل إجراءات ضرورية تحمي صحة الأفراد و سلامة المجتمع، تستوجب التحرك بسرعة من أجل تغيير المسار كلما ظهرت مؤشرات تبين أن ذلك هو الصواب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى