الفهم الخاطئ لمدونة الأسرة سيبقي التشريع القانوني عاجزًا عن تحقيق العدالة
الدكتورة لمياء الخلوفي
مدونة الأسرة تُعتبر منظومة قانونية تهدف إلى تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس الحقوق والواجبات المتبادلة، وتعكس بشكل عملي مبادئ الشراكة والمصلحة المشتركة.
غير أن أي فهم خاطئ لهذه المدونة، إذا كان مبنيًا على الأنانية والمصلحة الفردية فقط، سيؤدي إلى تفاقم الصراع بينالجنسين وزيادة النظرة المتعالية للذات على حساب الآخر.
النتيجة الحتمية لذلك هي تأثير سلبي على الأبناء الذين يتشربون هذه المفاهيم المغلوطة، مما يُهدد استقرار المجتمع. المبدأ الأساسي هنا هو المساواة في القيمة بين الرجل والمرأة، باعتبارهما إنسانين يتمتعان بعقل وقيمة ذاتية.
هذه المساواة لا تلغي الاختلافات الطبيعية، بل تؤكد أهمية الواجبات المشتركة بين الطرفين، ومنها مفهوم القوامة. في ظل المتغيرات الحديثة، أصبحت القوامة مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة، حيث تمتلك المرأة اليوم المعرفة والمهارات التي تؤهلها لتحقيق قيم مضافة كالعمل والامتلاك والوظيفة.
الشراكة في الزواج لا تقتصر على الحقوق، بل تشمل الواجبات أيضًا.
وهذا يعني أن العلاقة بين الزوجين يجب أن تقوم على تقاسم المسؤوليات المادية مثل الإعالة، والمعنوية كالتربية. ومن هنا، تصبح فكرة القوامة المادية مرتبطة بواقع كل طرف.
فمثلاً، المرأة الموظفة التي تُشارك في العمل والإعالة، لا يمكن أن تُطالب بواجبات إضافية كربة بيت دون مشاركة الزوج في المهام المنزلية.
وفي المقابل، لا يمكن للرجل أن يُحمل المرأة الموظفة كامل أعباء الرعاية المنزلية إذا كانت تشاركه الإعالة. التحدي اليوم يكمن في فهم مفهوم القوامة في سياقه الحديث.
في الماضي، كانت القوامة تستند إلى أدوار محددة، حيث لم تكن المرأة تشارك في العمل أو القرارات السياسية والاجتماعية بنفس القدر الذي تفعله اليوم.
ومع حصول المرأة على هذه الحقوق، يُصبح من الطبيعي أن تتحمل أيضًا مسؤولياتها المترتبة على ذلك، بما يتناسب مع وضعها.
إن إصلاح مدونة الأسرة يجب أن يُراعي هذه المتغيرات، ويضع إطارًا قانونيًا عادلًا يُحدد الحقوق والواجبات بناءً على وضع كل طرف.
فالزوجة الموظفة تختلف عن الزوجة الماكثة في المنزل، مما يقتضي توزيعًا مختلفًا للأدوار والواجبات بين الزوجين. تجاهل هذه الحقائق سيؤدي إلى مشكلات كبيرة مثل العزوف عن الزواج، زيادة معدلات الطلاق، وانتشار العلاقات غير المستقرة، وهو ما يُهدد مؤسسة الزواج والقيم الاجتماعية. أخيرًا، المشكلة لا تكمن في عمل المرأة بحد ذاته، بل في الفهم الخاطئ لمفهوم القوامة واستغلاله لتحقيق مكاسب شخصية أو سلطوية ( نسوية).
إذا لم يتم تطوير فهم متوازن وشامل لهذا المفهوم، سيبقى التشريع القانوني عاجزًا عن تحقيق العدالة بين الرجل والمرأة، وسيظل الزواج خيارًا محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لكلا الطرفين.