الدوليالرئيسيةمقالات الرأي
سُقُوط النِّظام الجزائري : حَتمِية تَاريخية
الحتمية التاريخية تؤكد إستكمال الحراك الشعبي الجزائري لمهامه الوطنية الكبرى المتمثلة في إسقاط النظام الشمولي الجزائري و المسار التاريخي يؤكد إقامة " الجزائر الجديدة " كدولة وطنية ديمقراطية متصالحة مع محيطها الإقليمي و مندمجة مع شعوب المنطقة
بقلم : البراق شادي عبد السلام
كل المؤشرات تؤكد حقيقة واحدة ، الجزائر مقبلة على تغيير سياسي جذري و حراك سلمي يخرج الملايين من أبناء و جماهير الشعب الجزائري الشقيق في مختلف ولايات و مدن الجزائر من أجل تغيير النظام و إسقاط الدولة البومدينية الشمولية و بناء دولة الجزائر الوطنية الشعبية الديمقراطية التي تم إختطافها من طرف ضباط فرنسا و جنرالات العشرية السوداء بعد كفاح مرير خاضه الشعب الجزائري ضد القوى و الدوائر الإستعمارية بدعم مباشر من المملكة المغربية التي فتحت حدودها و مخازن سلاحها للمجاهدين في جبهة التحرير الجزائرية و حولت المدن و المداشر في شرق المملكة إلى قواعد خلفية لجيش التحرير الوطني و مقرات آمنة لقياداته .
الحتمية التاريخية تؤكد إستكمال الحراك الشعبي الجزائري لمهامه الوطنية الكبرى المتمثلة في إسقاط النظام الشمولي الجزائري و المسار التاريخي يؤكد إقامة ” الجزائر الجديدة ” كدولة وطنية ديمقراطية متصالحة مع محيطها الإقليمي و مندمجة مع شعوب المنطقة في جهود التنمية و صناعة الإستقرار ؛ الدولة المدنية الجزائرية الديمقراطية الموعودة أو ” الجزائر الجديدة ” ستؤسسها القوى الثورية الإصلاحية الجديدة التي يمثلها شباب الحراك الشعبي الحزائري بإمتداداته السياسية و النقابية و المدنية في المجتمع و الأمنية و العسكرية داخل المؤسسة العسكرية و الأجهزة الأمنية التي تعرف هي الأخرى بوادر تفكك و إنهيار نتيجة سيطرة مجموعة من القيادات العسكرية و الأمنية الفاشلة على مفاصل الدولة و مؤسساتها السيادية بواجهة مدنية فاقدة لكل شرعية سياسية أو نضالية و غير قادرة على إبتداع حلول تنموية للإشكالات الكبرى التي يعيشها المجتمع الجزائري إلا إعادة إنتاج السلطوية بإستدعاء وجوه من النظام السابق و تسليمها لمراكز قيادية في هياكل الدولة مثلا وزير الخارجية الجزائري السيد محمد عطاف كرجل ديبلوماسي بقراءاته الخاطئة لطبيعة التحديات الجيوسياسية و الامنية الإقليمية لازال رهين التحليلات السياسية و الأمنية التي وضعت فوق مكتبه عندما كان مديرا للشؤون السياسية الدولية في وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية قبل أربعين سنة 1984 حيث حول وزارة الخارجية الجزائرية سنة 2024 إلى ملحقة إدارية تابعة للكتابة الخاصة للجنرال شنقريحة و طموحاته المجنونة في إشعال حرب شاملة في المنطقة .
بوادر التفكك الداخلي للنظام الجزائري أصبحت واضحة لكل متتبع للشأن الجزائري حيث أن السياسات العبثية للنظام و توجيه قوى المجتمع الجزائري للإعتقاد بمؤامرة خارجية عن طريق خلق عدو خارجي لتصريف الأزمة الإقتصادية و الإجتماعية الخانقة بسبب السياسات الإقتصادية الخاطئة و بشكل خاص صفقات التسليح الوهمية حيث تم تبديد مئات الملايير من الدولارات من أموال الشعب الجزائري ضمن أكبر عملية إستعداء إقليمي في التاريخ الحديث من خلال ترويج و نشر الأكاذيب و التضليل و الأخبار الزائفة و التلاعب بالوعي الجمعي للشعب الجزائري بشكل متوازي مع تسليح و تمويل و تدريب الميليشيات المسلحة لزعزعة إستقرار و سلام و أمن الجوار الأقليمي و تأجيج النزاعات و التخطيط لقلب الأنظمة المجاورة .
نظام شنقريحة العسكرتاري الشمولي يستخدم “إستراتيجية صناعة الأزمات “بشكل مفرط كوسيلة وحيدة للحفاظ على سلطته وتعزيزها و تحقيق وحدة وطنية ” مؤقتة ” و ذلك بتحويل إنتباه و تركيز الشعب الجزائري عن القضايا الحقيقية و اليومية التي تواجه الدولة في تدبيرها للشأن السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي و الفشل في تحقيق الوعود و الأحلام الكثيرة تحت عنوان مضلل : الجزائر المنتصرة التي روجها النظام العسكرتاري في مقابل “وَأْدِ” الحراك الشعبي في”صفقة مسمومة” بين النظام النيوباتريمونيالي في قصر المرادية و جزء من الطبقة السياسية و النقابية الفاشلة و الفاسدة و توابعها من الإعلام المأجور .
خطاب الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون أمام البرلمان الجزائري بغرفتيه يؤكد الحالة النفسية المهزوزة و الأزمة العميقة و الوضعية الغير مستقرة و حالة اللايقين التي يعيشها النظام الجزائري نتيجة تغير موازين القوى الدولية و التغيرات الجيوسياسية الكبرى التي تعرفها المحاور الدولية و الفشل الأقليمي المتصاعد و سيطرة قوى الفساد على الدولة الجزائرية حيث تنتظر البلد موجة عنيفة من التغيير ما لم ينجح الحراك الشعبي في تغيير النظام بطريقة سلمية .
التهاوي السريع لوحدات الجيش العربي السوري و السقوط المدوي للنظام الشمولي السوري الشقيق لنظام الجنرالات في الجزائر العاصمة و التخلي المفاجئ للحليف الروسي في موسكو على حلفاء إستراتيجيين كنظام الأسد في دمشق و قبله نظام القذافي في طرابلس و سيطرة الميليشيات المسلحة على مقاليد الحكم في هذه الدول أكد حقيقة واحدة للجنرال شنقريحة القائد الفعلي للنظام الجزائري أن نهايته السياسية و العسكرية قد إقتربت و إنهيار المنظومة العسكرية الجزائرية هي مسألة وقت و مرتبطة بتعقيدات الموقف الجيوسياسي العالمي و طبيعة التوازنات الدولية و المراقب للوضع يدرك أن أي توافق سياسي دولي جديد بين المحاور الكبرى في العالم سيكون على حساب آخر الأنظمة الشمولية في إفريقيا الذي يشكل إستمرار سياساته العدائية الحالية عامل لا إستقرار في ديناميكيات الصراع و الأمن البشري في القارة الإفريقية و بشكل في الفضاء الإقليمي الذي يقع في منكقة تعج بالمخاطر و التهديدات .
ملامح تآكل الدولة و إنهيار النظام الشمولي في الجزائر أصبحت واضحة للعيان و المتتبع لمسار النظام الجزائري في سنوات ما بعد الحراك يرى بوضوح أن القيادة الجديدة التي أفرزها المسار السياسي الذي تمت تسميته ب ” الجزائر الجديدة ” لم يقدم رؤية واضحة لمستقبل الأجيال الجزائرية في العقود المقبلة ، بل كان يقدم حلولا مرحلية لترقيع الثقوب الكبيرة التي تعرفها سفينة الجزائر الغارقة في الفساد و الإستبداد و الدكتاتورية في ظل غياب الشرعية الداخلية و العزلة الإقليمية التي تحولت إلى سلوك ديبلوماسي هجومي تغذيه أطماع جنرالات الجزائر في الهيمنة الإقليمية و تحقيق حلم قديم / حديث بتطويق المملكة المغربية و فصلها عن المجال الحيوي الإفريقي بإختلاق دويلة عميلة وهمية في جنوبه تخدم طموح مستحيل في إطلالة أطلسية خارج ضوابط السيادة المغربية .
سقوط الدولة الجزائرية لن يتم على أيادي دوائر مخابراتية معادية كما تروج الآلة الإعلامية المأجورة في الجزائر بل سيكون على يد تحالف شعبي وطني واسع بين مختلف مكونات الحراك الشعبي و القيادات الوطنية الحقيقية في الجيش الجزائري الفاقد للعقيدة القتالية الصحيحة و المستعدة قياداته الحالية لتوجيه قدراته التدميرية نحو الشعب الجزائري الشقيق لقمع أي حراك شعبي نضالي و الذي من الممكن جدا أن يعيش للأسف فصول ” عشرية سوداء ثانية ” بسبب إرادة القمع و رغبة القتل التي تعتبر عقيدة فكرية و إختيارا سياسيا و فكريا يعتنقه التيار الدموي لأغلب القيادات الرفيعة للجيش الجزائري الذي يمثله تيار شنقريحة حيث يتم الإشتغال على تطوير و تحديث الترسانة العسكرية لقوات الدفاع الجوي عن الإقليم التي تحولت إلى قوات نخبة تحت إمرة الجنرال عبد العزيز الهوام أحد أقرب الجنرالات لشنقريحة و من أبرز المرشحين لخلافته ، فأغلب الترسانة العسكرية الجزائرية التي تم إقتناؤها في السنوات الأخيرة و بشكل خاص في سنوات ما بعد الحراك الشعبي إلى اليوم هي أسلحة و آليات ذات بعد دفاعي أكثر مما هي هجومية تهدف إلى تحويل البلاد إلى مسلخ عملاق و معتقل كبير ، تقوم بدور حماية النظام من أي تدخل دولي أو خارجي مستقبلي تحت غطاء شرعية الأمم المتحدة لحماية الشعب الجزائري ، فالدرس الليبي و السوري أظهر أن النظام الجزائري في حاجة إلى منظومة سلاح دفاعية و هجومية في نفس الآن مثل S400 و غيرها لتكون قادرة على كسر حظر جوي و توفر لقوات الدفاع الجوي السيادة الكاملة على المجال الجوي الجزائري في حالة إضطر المجتمع الدولي للقيام بعمليات عسكرية مباشرة ضد الجيش الجزائري لتحرير الشعب الجزائري من دكتاتورية الجيش كما حدث في يوغوسلافيا و ليبيا .
تهاوي الجيش السوري السريع و إنسحابه دون قتال و تسليم المدن و القواعد العسكرية لجحافل الميليشيات المسلحة في سوريا وضع أقلق كبار جنرالات الجيش الجزائري فالجيش العربي السوري كان حليفا إستراتيجيا للجيش الجزائري حيث تتشابه المؤسستان من ناحية التكوين و المسار و السلوك و العقيدة العسكرية فكلا المؤسستين ملطخة أيادي القيادات فيهما بدماء شعوبهما فالجيش السوري بعد مذبحة تجريف حماة مدينة فبراير 1982 و أربعة عشر سنة من حرب تصفية عرقية نفذتها عصابات الأسد بإستخدام البراميل المتفجرة و الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري لا يختلف عن الجيش الجزائري الذي تورط حسب شهادات قيادات عسكرية رفيعة في مذابح العشرية السوداء بالجزائر 1991- 2001 بتفاصيلها الفظيعة و المؤلمة ، فالملاحظ اليوم هو عودة تيار جنرالات يناير ( Janviéristes ) و لكن بصيغة أخرى و هذا التيار هو الذي تورط في مذابح العشرية السوداء بعد إجتماع عين النعجة الشهير لخمسين من كبار قيادات الجيش الجزائري من إجل إقالة الرئيس الشاذلي بنجديد و الإنقلاب على الشرعية الانتخابية في المسلسل الديمقراطي الذي عرفته الجزائر بداية تسعينيات القرن الماضي .
الجيش السوري إسنتجد بالميليشيات الشيعية الإيرانية و الأفغانية و العراقية و اللبنانية لمساعدته على قمع الشعب السوري و إجهاض ثورته، و كذلك القيادات الحالية للحيش الجزائري مستعدة للتحالف مع الشيطان لمواجهة الحراك الشعبي و إنهاءه بأي ثمن كان ، و لو بإستدعاء ميليشيا البوليساريو و الجماعات الإرهابية في الساحل و الصحراء الجزائرية المرتبطة بالمخابرات الجزائرية ؛ على الشعب الجزائري الشقيق اليقين بأن ميليشيات البوليساريو الإرهابية ستمارس في حقه كل أنواع القتل و الترهيب و التنكيل بأمر من العقل الشمولي لقيادة الجيش الجزائري فمرتزقة الميليشيا من القناصة و المدفعية الثقيلة مستعدون لقنص المتظاهرين و قصف المدن و الأحياء و خبراء البوليساريو في التعذيب و السادية مستعدون و مشتاقون لإعادة جرائمهم ضد الإنسانية في حق الشعب الجزائري ، فجرائم البوليساريو بإسم القبعات الصفراء في ليبيا لازالت شاهدة على دموية هذه الميليشيا الإرهابية التي قامت بقمع الشعب الليبي في عمليات قنص نفذها أكثر من 500 من عناصر ميليشيا البوليساريو الإرهابية أثناء الثورة الليبية فبراير 2011 كما تورطت الميليشيات الطائفية و الصفوية الإيرانية في قمع الثورة السورية في فظائع يندى لها جبين الإنسانية .
قيادات مرتزقة ميليشيا البوليساريو الإرهابية الفاقدة لإستقلالية و حرية قرارها السياسي و السيادي لا يمكنها رفض الأوامر الصادرة عن القيادة العامة لأركان الجيش الجزائري بشقيها العضوي و العملياتي للقيام بدورها الوظيفي لإسناد وحدات الجيش في قمع المظاهرات السلمية التي قد تعرفها مدن الجزائر في الأسابيع المقبلة رفضا للنظام الشمولي و أسلوبه العسكرتاري في الحكم عبر الواجهة المدنية السيد عبد المجيد تبون الذي أظهرت الحقائق أن لا قدرة له على مواجهة تدخل أو تحجيم دور الجيش الجزائري و كبار الجنرالات في تسيير شؤون الدولة الجزائرية بل يعيش في ظل ذهان سياسي مزمن و هوس مرضي بالمغرب و قيادته ، لذلك تظل دعوته للحوار الوطني هدية ملغومة هدفها إمتصاص الغضب الشعبي و تبرير هيمنة الجيش و كبار الجنرالات على الحياة السياسية .
رحم الله المجاهد و السياسي الكبير المرحوم عبد الحميد مهري الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني عندما عبر واقع الحال في الجزائر قائلا : “الديموقراطية التي تحميها الدبابة هي ديمقراطية مريضة “.