مقالات الرأي

ست سنوات من السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة2015-2025: ماذا بعد…؟

بولعلام مبارك /باحث في مجال حقوق الطفل

منذ توقيعه ومصادقته على اتفاقية حقوق الطفل ابدى المغرب اهتماما واسعا بقضايا الطفولة على جميع المستويات التشريعية والقانونية، وكذا البرامج والسياسات العمومية. وترجع اول محطة لملامح سياسة عمومية في مجال حقوق الطفل الى سنة 1992 بمناسبة المصادقة على الإعلان العالمي لبقاء الطفل ونمائه وخطة العمل لتنفيذ الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه في بداية التسعينات خلال انعقاد مؤتمر القمة العالمي من اجل الطفل بنيويورك سبتمبر 1990، وخلاله ثم وضع خطة عمل وطنية سنة 1992 لإعمال اهداف هذا الإعلان في افق سنة 2000.

واستمر نسق السياسات والمخططات الوطنية سنة 2006 بإطلاق السياسة العمومية ” مغرب جدير بأطفاله” خلال الفترة 2006-2015، غير أن التقييم النصف مرحلي للخطة ابان عن عدة أوجه قصورها، خاصة على مستوى الحماية وهو نفس المنحي الذي أكدته لجنة حقوق الطفل في ملاحظاتها الختامية للمغرب بمناسبة النظر في تقريره الدوري الجامع للتقريرين الثالث والرابع.

ومنه بادرت الحكومة الى احداث لجنة تقنية تضم مختلف القطاعات الحكومية للعمل على مراجعة وتحيين الخطة، ليبدأ بذلك مسار المشاورات للإعداد وإقرار السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2025.

السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة على رادار التوصيات الختامية للجنة حقوق الطفل:

باعتباره دولة طرف في اتفاقية حقوق الطفل منذ سنة 1993 يلتزم المغرب كغيره من الدول الأطراف بتقديم تقارير دورية كل خمس سنوات للجنة يوضح من خلالها المجهودات المبذولة لتنفيذ مضامين الاتفاقية، علاوة على الصعوبات والمعيقات اذا وجدت.

وبمناسبة النظر في تقريره الجامع للتقريرين الدوريين الثالث والرابع قدمت لجنة حقوق الطفل ملاحظاتها وتوصياتها للمغرب. وقد خصت اللجنة موضوع السياسة العمومية لحقوق الطفل بعدة ملاحظات وتوصيات، تهم اثارة الإنتباه الى النواقص، والدعوة الى بلورة سياسة عمومية شاملة وفاعلة، وتشاركية.

وهكذا فقد أبدت اللجنة ترحيبها بمبادرة المغرب تبني خطة العمل الوطنية للطفولة 2006-2015 ومتابعتها بعين الرضا للإنشغال بوضع ” السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2025″.

في المقابل عبرت عن قلقها لما أسمته أوجه القصور المختلفة التي اعترت خطة العمل الوطنية للطفولة2006-2015، خاصة فيما يتعلق بعدم رصد ميزانية خاصة لتنفيذها، كما أن اللجنة تتوجس من عدم تغطية كافة المجالات المشمولة في الاتفاقية، من خلال السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة، وهو الأمر الذي دفع اللجنة الى توصية السلطات الحكومية بضرورة الحرص على تغطية جميع مجالات الاتفاقية مع إيلاء أهمية خاصة للأطفال في وضعية صعبة والأشد حرمانا.

وبخصوص دور المجتمع المدني فقد اوصت اللجنة بضرورة اشراكه في تنفيذ السياسة العمومية المندمجة مع رصد الإمكانات والموارد اللازمة لدلك، اذ لاحظت اللجنة تقليص الدعم الممنوح لهذه المنظمات بالرغم من الأدوار والخدمات التي تقدمها، زيادة على انه لا يثم استشارتها الا لأغراض محددة، ومنه توصي اللجنة بضرورة وضع إطار رسمي للتعاون مع منظمات المجتمع المدني، ومواصلة الدعم المالي لها وتدعيمه.

من جانب اخر ابرزت اللجنة في توصيتها رقم 15 إشكالية غياب التنسيق بين المتدخلين في تنفيذ الإتفاقية الأمر الذي ينعكس سلبا على عدم التخطيط الجيد لسياسات الطفولة وأكدت ضرورة تفعيل اليات التنسيق بفاعلية وكفاءة سواء بين القطاعات الحكومية أو بين السلطات الوطنية والإقليمية والمحلية، على ان يثم ضمان الموارد اللازمة لهيئة التنسيق الوطنية والإقليمية والمحلية.

وتبرز هذه الملاحظات الختامية الأهمية التي توليها اللجنة المعنية لموضوع السياسة العمومية للطفولة، وانشغالاتها حول جميع المسائل المتعلقة بإعداد وتنفيذ السياسة وفق مقاربة تشاركية وفاعلية، وذات نجاعة.

وباقتراب موعد تقديم تقرير المغرب الدوري امام لجنة حقوق الطفل فالفرصة سانحة امام فعاليات المجتمع المدني من خلال تقاريرها الموازية لإثارة انتباه اللجنة لكل ما يهم قضايا الطفولة بالمغرب ومنها مدى التزام الحكومة بهذه الملاحظات والتوصيات في اعدادها وتنفيذها للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2025.

  • نظرة عن قرب حول السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2025:   

تتمحور السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة حول تحقيق خمسة اهداف محددة في تقوية وتعزيز المنظومة القانونية الحمائية للأطفال، واحداث اليات ترابية للاطلاع عن قرب على تتبع والتدخل لفائدة الأطفال، ثم وضع معايير للمؤسسات ذات العلاقة بالأطفال، في حين ينحو الهدف الثالث الى ترسيخ التمثلات الاجتماعية والممارسات وفق مقاربة مرتكزة على ثقافة حقوق الطفل، وبلورة منظومة معلوماتية شاملة لتتبع الأطفال المستهدفين.

وإذ تكتسي هذه الأهداف أهمية في الإحاطة بمختلف مستويات حماية الطفل سواء ما تعلق منها بالجانب القانوني والمؤسساتي، والتصورات الاجتماعية، علاوة على وضع أسس لمنظومة معلوماتية واحصائية، كفيلة برصد ادق لتطور الوضعية وفق مؤشرات مضبوطة.

ويستمد البرنامج الوطني التنفيذي 2015-2020 أهميته في مقاربته تنزيل مضامين السياسة في مرحلتها الأولى من خلال تدابير المحددة لكل قطاع، والجهات المسؤولة عن تنفيذها وفق برمجة زمنية ومؤشرات محددة.

ومنه يمكن القول أن البرنامج الوطني التنفيذي لتنزيل السياسة جاء لمعالجة جانب من الإختلالات التي عرفتها السياسة العمومية 2006-2015، وبالتالي فهو يشكل البوصلة الفعلية لتنزيل مضامين السياسة على ارض الواقع وفق جدولة زمنية محددة، مع منظومة مؤشرات كفيلة لتتبع مدى انخراط الفاعلين في الالتزام بها.

وبالرغم مما من أهمية الأهداف والتدابير التي حملتها السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2025 كمحاولة لتجاوز التعثرات التي عرفتها السياسات السابقة الا انها تطرح الكثير من الإشكالات والتوجسات بعد مرور ازيد من ست سنوات من اقرارها.

أسئلة مشروعة لإعادة التفكير واثارة النقاش:

  • سؤال المنطلقات والجدوى من السياسة العمومية المندمجة لحقوق الطفل:

استغرق وضع وإقرار السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2025 قرابة سنتين من المشاورات والاجتماعات بين مختلف الفاعلين والمتدخلين الحكوميين وغير الحكوميين، تخللها تنظيم مناظرة وطنية حول السياسة العمومية.

وبتمحيص لمصوغات اعداد السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة فالوزارة المعنية تعتبر أن السياسة لم تأتي بخطة او برنامج جديد بقدر ماهي فقط تعزيز للبرامج المتوفرة وتنسيق لتدخلات مختلف الفاعلين في المجال، كما أنها لا تبتغي موارد واليات جديد وانما فقط العمل على حسن تدبير الموارد البشرية المتوفرة.

ونحن نتصور انه إذا كان الامر كما سبق انفا فلماذا كل هذا الضجة المثارة بخصوص هذه السياسة وحجم المواكبة التي صاحبها، ولعل السؤال الجوهري يبرز من خلال ماهية الإضافة الممكنة للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة في معالجة مختلف قضايا الطفولة المغربية والتي تؤكد العديد من التقارير الوطنية والدولية سواء الرسمية وغير الرسمية على وجود مشاكل حقيقة تهدد طفولتنا.

فمرور ازيد من ست سنوات من إقرار السياسة يفرض على الفاعلين والمتدخلين إعادة التفكير في مشروعية السياسة وتصورها لقضايا الطفولة بالمغرب، وماهية الإرادة السياسية في تجنيد الوسائل الكافية واللازمة لمعالجة مختلف الإشكالات المطروحة.

  • سؤال الفعالية والنجاعة:

رغم الإستحسان من وضع البرنامج الوطني التنفيذي للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2020 لتفعيل اهداف السياسة العمومية من خلال تدابير دقيقة لمجال تدخل كل فاعل في اطار جدولة زمنية محددة في خمس سنوات، واعتبارا للظروف الاستثنائية بفعل جائحة كوفيد19 الا أن مرور ازيد من 6 سنوات من إقرار السياسة العمومية يطرح بإلحاح شديد مدى فاعليتها في ملامسة الهموم الحقيقية التي ترزخ تحت وطأتها الطفولة ببلادنا.

من جهة أخرى فالعودة الى مضامين البرنامج الوطني التنفيذي للسياسة العمومية والذي حددت فترة تفعيله من سنة 2015 الى سنة 2020 يؤكد أن هناك تعثرا كبيرا في الإلتزام به، فالهدف الأول المتعلق بتقوية الإطار القانوني لحماية الأطفال يعرف تعثرا كبيرا، في اعداد وتعديل عددا من القوانين والتشريعات، منها تأخر اخراج المراسيم التنظيمية لدخول القانون رقم 65.15 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية حيز التنفيذ منذ اقراره سنة 2018، ثم القانون المؤطر لنظام  اسر الإستقبال الذي لم يرى النور بعد على الرغم من برمجة موعد اقراره في غضون سنة 2020.

كما يلاحظ غياب أي نقاش عمومي او تفاعل عمومي لمواكبة وتقييم السياسة العمومية بعد مرور أكثر من نصف المدة المخصصة لها، واستخلاص الدروس والعراقيل بشأنها، بعيدا عن اجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع تنفيذ السياسات والبرامج الخاصة بالطفولة، وهو ما يكرس موسمية النقاش العمومي في قضايا الطفولة، والنحيب على مآسي الطفولة المغربية.

  • الأجهزة الترابية المندمجة لحماية الطفولة: ضبابية التفعيل والتصور

لعل من اهم الأهداف التي حملتها السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة تنصيصها على احداث أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة، ومنه أصدر منشور لرئيس الحكومة سنة 2019 لتنزيل هذه الأجهزة، وفي مرحلة أولى ثم التأكيد على احداث أجهزة ترابية في ثمانية أقاليم نموذجية.

وبالرغم من الملاحظات التي يثيرها تشكيل هذه الأجهزة، واختصاصاتها، ودور مختلف الفاعلين، فان تفعيلها هي الأخرى يتسم بالبطء الشديد ويؤكد غياب رؤية وتصور واضح لتفعيلها بشكل سليم وبناء على ارض الواقع.

من جانب اخر تثير هده الأجهزة الترابية ضبابية في اليات اشتغالها خصوصا في هذه المرحلة التأسيسية، مع العلم ان الجهات المعنية تؤكد انها لا تستهدف من وراءها احداث اليات جديدة او برامج او توظيف موارد بشرية جديدة او بنيات جديدة بقدر ماهي عقلنة وترشيد لما هو موجود!!

وعليه فمرور ست سنوات من إقرار السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة يفرض فتح نقاش حقيقي حولها، وإعادة تقييم التجربة، وتصحيح ما يمكن تصحيحه لما فيه مصلحة الطفولة المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى