
أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) على ضرورة وضع استراتيجية وطنية منسقة وفعّالة لتحويل البحث العلمي إلى ابتكار يعزز النمو الاقتصادي ويخدم التنمية المستدامة في المغرب.
جاء ذلك في تقرير استشاري جديد أعدّه المجلس بناءً على طلب مجلس المستشارين، تحت عنوان “مساهمة البحث العلمي في الابتكار وتطوير وتقوية القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني”.
الواقع الحالي: إمكانات غير مُثمَّنة
رغم تقدم المغرب في تنظيم منظومته الوطنية للبحث العلمي والابتكار، فإن النتائج تبقى أقل من الطموحات. أشار المجلس إلى أنه على الرغم من زيادة عدد الباحثين وطلبة الدكتوراه، وتحسن حجم الإنتاج العلمي، فإن المغرب لا يزال بعيدا عن المعايير الدولية في هذا المجال. إلا أن التقرير شدد على بعض النجاحات الملحوظة، مثل تطوير أدوية استراتيجية في مجال الصحة، بالإضافة إلى الابتكارات في الصناعات الاستخراجية والتكنولوجيا العالية.
التقرير نبه إلى أن هناك العديد من التحديات الهيكلية التي تحول دون تحقيق نقلة نوعية في مجال البحث والابتكار.
من أبرز هذه التحديات:
ضعف التمويل: حيث يبقى الإنفاق على البحث العلمي منخفضًا جدًا مقارنة بالمعدلات العالمية. وتبلغ نسبة الإنفاق على البحث العلمي 0.75% من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يصل إلى 2.68%، ما يعكس ضعف الاستثمار في هذا المجال.
الإطار المؤسساتي غير المكتمل: لم يتم بعد تفعيل بعض المقتضيات القانونية المهمة المتعلقة بالبحث العلمي، مثل السماح للجامعات بإنشاء شركات تابعة لها لتسويق نتائج البحث.
قيد الشراكات: على الرغم من بعض المبادرات الناجحة في مجالات معينة، لا يزال التعاون بين الجامعات والمقاولات ضعيفًا، مما يؤدي إلى عدم استغلال نتائج البحث العلمي بشكل جيد في الصناعة.
وفي إطار هذا التشخيص، اقترح المجلس مجموعة من التوصيات لإعداد وتنفيذ استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تعزيز دور البحث العلمي في الاقتصاد الوطني. وتشمل هذه التوصيات:
1.مراجعة وتحديث القوانين: تسريع وتيرة مراجعة القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، وتفعيل نصوصه التطبيقية، بما يعزز استقلالية الجامعات في مجالات البحث والابتكار.
2. زيادة التمويل: ضمان تمويل مستدام للبحث العلمي بنسبة 3% من الناتج الداخلي الإجمالي بحلول عام 2030، مع تشجيع القطاع الخاص على زيادة استثماراته في هذا المجال.
3. تعزيز استقلالية الباحثين: إنشاء إطار خاص بالباحثين المتفرغين، بما في ذلك طلبة الدكتوراه وما بعد الدكتوراه، وتحفيزهم على التفرغ التام للبحث.
4.تقوية المؤسسات الوطنية: تعزيز دور المجلس الوطني للبحث العلمي وتطويره ليصبح الآلية الرئيسة لتنسيق جهود البحث والابتكار على مستوى الوطني.
5.تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص: دعم تطوير بنيات اقتصادية وتجارية تابعة للجامعات، وإنشاء تحالفات بين القطاعين العام والخاص لتحويل نتائج البحث إلى حلول مبتكرة قابلة للتسويق.
6. التفاعل مع الجهات: دعم الابتكار على المستوى الجهوي، خاصة من خلال إنشاء بنيات جهوية لنقل التكنولوجيا وحماية الملكية الفكرية، فضلًا عن تشجيع المشاريع المبتكرة والشركات الناشئة.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أكد على أن البحث العلمي يمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والارتقاء بالقدرة التنافسية للاقتصاد المغربي.
مبرزا أن النجاح في تحويل نتائج البحث إلى ابتكار يقتضي العمل المشترك بين كافة الفاعلين الوطنيين، من أكاديميين، مبدعين، ومقاولات، وتوفير بيئة قانونية وتمويلية ملائمة لدعم هذا التحول.



