جيل القنطرة الذين صنعوا طريق الوحدة والديموقراطية ولم يعبروا وحدهم

مصطفى المنوزي
منسق فضاء الزمن الإجتماعي والتواصل التاريخي
حقا ليس كل شيء يقال ، وقد أجلنا كلاما كثيرا ، ولم نبح إلا بالقدر الذي يعزز إمكانية تعايشنا ، وكم كبرنا عبارة ” لن نعيش زمننا وزمن غيرنا ، ويظل معنى ” زمن غيرنا ” كثيف التضخم والمبالغة ، فالزمن زمننا ، طبعا الموصوف إجتماعيا ؛
تنازلنا إيجابيا لأجل ضمان المجايلة ، وترسيخ التواصل التاريخي ، ولم يعد من حقنا إستجداء الإعتراف ، ما دام مطلب الإنصاف يقتضي أن نقر لأنفسنا بكافة الحقوق والمكتسبات ، فنحن جيل القنطرة ؛ و عبارة “جيل القنطرة” في السياق المغربي ليست مجرد توصيف زمني، بل تحيل على دلالة رمزية وتاريخية وسوسيولوجية تتعلق بالتحول بين مرحلتين من الوعي والممارسة السياسية والاجتماعية ويمكن أن نفكك معناها من عدة زوايا:
فالمعنى الحرفي والرمزي يفضي إلى ان “القنطرة” هي المعبر بين ضفتين، أي بين ماضٍ ومستقبل، أو بين نظام قيمٍ قديمٍ وجديدٍ.
فـ”جيل القنطرة” هو الجيل الذي يعيش مرحلة الانتقال بين نموذجين متباينين من أنماط التفكير والتنظيم والعلاقات الاجتماعية والسياسية. إنه جيل لم يعد منتميا كليًا إلى ماضي الدولة الوطنية الكلاسيكية ولا هو مندمج تمامًا في روح العولمة الرقمية الجديدة.
و في السياق المغربي تحديدًا يمكن تحديد “جيل القنطرة” المغربي بأنه جيل ولد أو تَشَكّل وعيه في مرحلة التحول من الدولة المخزنية إلى الدولة المتعاقدة (من تسلطية الحماية إلى شرعية الإصلاحات السياسية) وهو جيل عاش مرحلة الحسن الثاني الأخيرة بكل ما فيها من انغلاق وتحكم؛ وشهد في الوقت نفسه بداية العهد الجديد، بما حمله من وعود بالانتقال الديمقراطي والانفتاح والعدالة الانتقالية ، إنه جيل “بين بين”:
أي بين الخوف والجرأة ، بين الطاعة والمطالبة بالحق، بين التقاليد السياسية القديمة وأفق المواطنة الجديدة.
وعلى مستوى التموقع السوسيولوجي والثقافي
ومن زاوية سوسيولوجية، جيل القنطرة هو جيل التعليم العمومي الذي بدأ يتدهور لكنه ما زال منتجًا للنخب؛ ثم إنه جيل الإعلام الورقي والإلكتروني معًا؛ وكذا جيل الهاتف الثابت والإنترنت الأولي؛ ثم إنه جيل الجامعة السياسية قبل أن تُفرغ من مضمونها ، أي أنه جيل يتذكر “الدولة الراعية” لكنه يعيش “الدولة المقصرة في وظائفها الاجتماعية”،
ويحن إلى زمن المعنى بينما يتعايش مع زمن الأداء والنجاعة التقنية ؛ وعلى مستوى الهوية السياسية والفكرية ، فجيل القنطرة هو الذي لم يعد يثق تمامًا في الأحزاب التقليدية، لكنه لم يقطع نهائيًا مع السياسة، إذ يحاول أن يبني وعيه النقدي المستقل، ويتنقل بين الحركات الحقوقية والمدنية والإعلام البديل ، إنه جيل “التردد الخلاق”: ينتقد لكنه لا يهدم، يأمل لكنه يشك، يطالب دون أن يقطع مع الدولة نهائيًا.
أما بالنسبة لعلاقته بالأجيال الأخرى ؛ خاصة بالجيل القديم (جيل الاستقلال وبناء الدولة) و هو جيل “السلطة”. ولذلك فجيل القنطرة هو جيل “المساءلة”. وبجيل زد 212 هو جيل “الرفض والابتكار”. وبالتالي فالمقصود أن جيل القنطرة يمارس وظيفة الترجمة التاريخية بين جيل التأسيس وجيل القطيعة،
أي أنه هو الذي حافظ على الحد الأدنى من الذاكرة السياسية وفتح الباب أمام نقدها وإعادة بنائها ؛ ولذا فجيل القنطرة في المغرب هو الجيل الانتقالي الذي جسّد مرور البلاد من مرحلة المخزن الصلب إلى الدولة الممكنة، ومن الطاعة إلى التعاقد، ومن السردية الرسمية المغلقة إلى التعدد السردي المفتوح



