مقالات الرأي

ترتيب الأولوية بين تازة و غزة : بين عبثية الجدل و تعمد سوء النية …‎

بقلم : يونس التايب

منطلق الحديث في موضوع “تازة” و “غزة”، و ما بينهما من أفضلية و ترتيب للأولويات، يستوجب التذكير بأن الدولة المغربية، ممثلة في رئيسها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، تعتبر القضية الفلسطينية في مقام القضية الوطنية، تماما كما هي قضية الصحراء المغربية قضيتنا الوطنية الأولى.

و رغم وضوح هذا الموقف الذي تتوحد فيه إرادة الملك و الشعب، إلا أن بعض الفاعلين السياسيين يتعمدون تأجيج النقاش حول عبارتي “تازة قبل غزة” أو “غزة قبل تازة”، بشكل مغلوط و مؤدلج و سياسوي. والمؤسف أننا وصلنا إلى درجة السب و الشتم العلني لمن يقولون “تازة قبل غزة”، و نعتهم بلفظ “الميكروبات” و “الحمير”، كما لو أننا لسنا بصدد الحديث عن فكرة يمكن أن تكون محل نقاش، و يجوز الرد عليها بحجة أكبر من طرف من تزعجهم فكرة ليس فيها كفر أو خروج عن الملة و القانون.

ولعل الخطير هو سعي البعض لجعل عامة الناس يعتقدون أن من يقول “تازة قبل غزة”، هو “متصهين” أو مساند لحرب الإبادة ضد المدنيين في غزة. وفي ذلك كذب كبير و مغالطة حقيقية. و في هذا الإطار، من المشروع أن نتساءل :

ما الحرج أو المشكل في أن يعبر المغربي عن كونه يحب “تازة”، و هو يقصد بها رمزية الوطن أولا، و يعطيها أولوية على غيرها من المدن و الأوطان و القضايا ؟؟

ألا يمكن أن تكون “تازة/الوطن” أولا، ثم تاتي “غزة/القضية الفلسطينية” ثانيا ؟؟ أين هي المشكلة في ترتيب كهذا، ما دامت “غزة/فلسطين” حاضرة بقوة في الصورة العامة لأولويات المغرب، دولة و شعبا ؟؟

أم أنه، لكي لا نتعرض للسب و الشتم و الوصف ب “الميكروبات”، يجب أن نعتبر أن غزة/فلسطين أهم من تازة / المغرب؟؟ بأي منطق يجوز ذلك ؟؟ و لماذا ؟؟ و كيف ننفع غزة / فلسطين و نحن لا غيرة لدينا على “غزة / المغرب”، و لا حرص لدينا على مقومات قوتنا ؟؟

من قال أنه يجب أن يكون هنالك تفاضل أو تراتبية بين “تازة” و بين “غزة” ؟؟ و من قال أن التفاضل بين السياقين ضروري، أو معقول و ممكن و مفيد ؟؟

في اعتقادي، عبارة “تازة / الوطن” لها رمزيتها في سياقها الوطني، وللمجال مقامه في المسار التاريخي للأمة المغربية، كما له تحديات حاضره و ما يحمله مستقبله من فرص و من مخاطر. و ل”غزة / فلسطين” سياقها التاريخي، قبل الاحتلال وبعد أن صارت تحت الاحتلال، و لها مقامها في سيرورة النضال الإنساني من أجل التحرير و الحق في دولة لشعب. و لها سلسلة مآسي تجددت بقوة مع ما يعانيه المدنيون و النساء والأطفال، بعد أحداث 7 أكتوبر 2023.

أما الرابط المحدد للعلاقة بين “تازة / الوطن” و”غزة / فلسطين”، فهو المتفق عليه مغربيا، و يجسده الموقف الرسمي للدولة المغربية الذي يلتزم بخط التضامن الرسمي والشعبي، تماشيا مع القيم الحضارية و الإنسانية التي يحملها المغاربة، ويعبرون من خلالها عن رفضهم للظلم و القتل و الحرب و رغبتهم في دعم السلام و حل دولتين لشعبين.

وعليه، المطلوب هو عدم خلط الأمور و تحريف المفاهيم، لتبرير الإساءات التي سمعناها مؤخرا، والتي بدت كأنها تشرعن السب والشتم كممارسة سياسية جديدة تبتغي فرض الرأي الواحد بمنطق الصوت المرتفع.

ما نحتاج إليه هو ممارسة السياسة، والتعبير عن المواقف النضالية، بعيدا عن تخوين المخالفين و التشكيك في نوايا الناس الذين لهم مواقف و قراءات أخرى، قد نتفق معهم فيها وقد نختلف. و الاختلاف حق مكفول للجميع، و فيه رحمة كما يقول الفقهاء.

وحتى تكون الأمور واضحة و نخرج من هذا التهافت حول “تازة” و “غزة”، من الضروري التذكير بأن موقف غالبية المغاربة كان و سيظل مشرفا، ولن أحدا يستطيع إقناعنا بتغييره حتى لو استعمل السب و الشتم و التجريح. وهذا الموقف تجسده معادلة ثلاثية الأبعاد هي كالآتي :

1/ البعد الأول :
القضية الفلسطينية في مقام قضية وطنية، و التضامن مع المقدسيين و مؤازرة أهل غزة، واجب في كل حين، وخاصة في خضم المحنة التي يعانون منها حاليا. كما أن التعبير عن رفض التقتيل و هدم المنازل و المستشفيات، أو المس بحرمة المساجد و الكنائس و دور العبادة، و رفض الاعتداء على المدنيين من الأطفال والنساء، يظل أمرا مشروعا و نضالا واجبا يعكس الحس الإنساني العالي للمغاربة، ويندرج في الدفاع عن القانون الدولي الإنساني وضرورة بناء السلام العالمي؛

2/ البعد الثاني :
القضية الوطنية الأولى بالنسبة للمملكة المغربية، قيادة وشعبا، هي قضية الصحراء المغربية التي نعيش بخصوصها نزاعا مفتعلا منذ 50 سنة، أضاعت علينا فيه دولة الجزائر مئات ملايين الدولارات، كان ممكنا أن تذهب للتنمية و التعليم و الصحة و الاستثمار في التجهيزات و البنيات الأساسية. و تسببت في قتل خيرة أبناء الشعب من القوات المسلحة الملكية الباسلة الذين نحسبهم شهداء عند ربهم.

وقضية الصحراء المغربية هي القضية الوطنية الأولى لأنها ترتبط بكينونة الوطن، بوجوده و وحدته الترابية واستمرار سيادته. لذلك، هي، أيضا، تستحق منا كثيرا من الحماس السياسي و التواصلي، و من المسيرات الشعبية والمهرجانات الخطابية التي تنتصر للديبلوماسية الوطنية و تدعم خطوات الدولة المغربية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها الملف.

3/ البعد الثالث:
الحكمة و العبقرية المغربية تتجسد في قدرتنا على الجمع بين دينامية التضامن الرسمي و الشعبي، المشروع والواجب مع أهل القدس و غزة، و بين أعلى درجات التعبئة لإنهاء ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. مع تطهير الخطاب السياسي و النقاش العمومي، من أي تخوين سياسي أو تشكيك في نوايا أصحاب الآراء المخالفة، ومنع أي تحريض ضد المواقف والقرارات السيادية للدولة المغربية، أو تأجيج مشاعر الناس بما قد يمس بالمصالح الاستراتيجية الكبرى للمغرب.

هذه هي المعادلة الثلاثية الأبعاد التي أومن بها، و لا أرى إمكانية لمعادلة غيرها، تستطيع منحنا التوازن بين البعد السياسي و البعد الأخلاقي، كما هو مطلوب. و من يريد أن يفرض علينا معادلة أخرى، هو في الحقيقة يقول لنا : “إما أن تجتهدوا مثل اجتهادي، و تناصروا من أناصرهم، و تكونوا معي في صفي، و إلا فسأسبكم و أشتمكم و أقول للناس أنكم “متصهينين” أشرار …!!!!

ومن المؤكد أن المغاربة لا يمكن أن يقبلوا معادلة ظالمة فيها حيف كبير، يزور أصحابها الحقيقة ويحملون جميع من يجتهدون بغير اجتهاداتهم، ما لا يقولونه و لا يؤمنون به، و يصرون على الجدل السياسي العقيم و العبثي، الذي يحيل على أجندات سياسية و انتخابية و تنظيمية ذاتية، تهم أصحابها و لا تهم الوطن ومصالح المواطنين في شيء.

بكل أسف، تستمر المأساة الفلسطينية منذ النكبة الأولى في الأربعينات من القرن الماضي، مع توالي الفرص الضائعة التي جسدت فشل جميع الأطراف في التقاط لحظات تاريخية معينة لبناء سلام شامل لكل شعوب المنطقة الشرق أوسطية. وفصول المأساة تتجدد كل حين، بأشكال مختلفة. و هو ما يدعونا إلى تفاعل صادق و عقلاني يبتعد عن الانفعالات العاطفية وخطابات التأجيج والفتنة، و تفادي إحراج الدولة المغربية عبر إخراج قراراتها السيادية عن سياقاتها الموضوعية، و تعمد الإساءة لعلاقاتها مع شركائها الدوليين، بمنطق سياسوي مشين وغير مقبول.

ما يجري في السياق الدولي الراهن، يدعونا إلى مزيد من النضال لترسيخ الوطنية المغربية عبر الدفاع عن قضايانا الاستراتيجية، دون الحرج من التعبير عن التضامن المشروع مع أهل غزة و المطالبة بإحلال السلام و تنزيل حل دولتين لشعبين، تماما كما هو مطلوب مع كل القضايا العادلة التي يقع فيها ظلم أو تعدي على القانون الدولي الإنساني و خروج عن الشرعية الدولية.

لذلك، بكل ما في تمغربيت الأصيلة، من صدق و وطنية و نزاهة و تشبث بالمصلحة العامة و بكل ما يوفر للمغاربة شروط الحياة الكريمة، علينا أن نرفض الأجندات السياسوية الخاصة، ولا نترك لأي كان فرصة تسجيل بعض النقط ضد وطننا الذي يسير وفق الشرعية و المشروعية، باحترام لمنطق الدولة في تدبير الأمن القومي الاستراتيجي و حفظ الدستور و الثوابت الوطنية، وإعلاء إرادة الشعب المغربي و مساهمته في بناء مشروع تنموي وطني يقوم على الديمقراطية و القانون و المشاركة المواطنة و العمل المؤسساتي.

و #سالات_الهضرة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تازة قبل غزة هذا شأن الريف اي شمال وشرق ما يسمى المغرب
    ما دخل المغرب في تازة
    ربما تقصدون تافيلالت العاصمة الشرعية للمغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى