مقالات الرأي

العنف المدرسي في المغرب: من تدهور القيم إلى تهديد لهيبة المؤسسة التربوية

بقلم الدكتورة لمياء الخلوفي

تشهد المنظومة التربوية بالمغرب خلال السنوات الأخيرة موجةً متصاعدة من العنف الموجَّه ضد الأطر التعليمية، لم تعد مجرد حوادث عَرضية، بل أصبحت تعبيرًا عن أزمة بنيوية تتغلغل في عمق المجتمع، وتعكس تراجعًا مقلقًا في القيم الأخلاقية والسلوكية.
فالاعتداءات لم تقتصر على العنف الجسدي، بل تنوعت بين الإهانات اللفظية، والتهديدات، والتشهير عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى فقدان المعلم لهيبته ومكانته الرمزية في المجتمع.

وفي هذا السياق، لم تكن حادثة الاعتداء المروِّع الذي أودى بحياة أستاذة بأحد معاهد التكوين المهني بمدينة أرفود، يوم 13 أبريل 2025، سوى تجلٍّ مأساوي لحالة من الانفلات أصبحت تفرض نفسها على الواقع التربوي.
هذه الجريمة النكراء، التي اقترفها متدرّب باستخدام أداة حادة، أعادت إلى الواجهة النقاش حول خطورة الوضع الذي تعيشه المؤسسات التعليمية، وحجم التهديدات التي تحيط برجال ونساء التعليم وهم يؤدون رسالتهم النبيلة.

ولفهم هذا التصعيد، لا بد من التوقف عند مجموعة من الأسباب المتشابكة التي ساهمت في تأجيج الظاهرة:

  1. تراجع المنظومة القيمية داخل المجتمع:
    تعاني القيم التربوية والأخلاقية من انحدار واضح، نتيجة تفكك الروابط الأسرية وتنامي الهشاشة الاجتماعية، مما أدى إلى نشوء أجيال تفتقر إلى الضوابط السلوكية. فالأسرة، التي يُفترض أن تكون الحصن الأول لغرس القيم، تخلّت تدريجيًا عن دورها التربوي، تاركةً فراغًا قيميًا خطيرًا في شخصية الناشئة.

  2. صورة مشوَّهة في الخطاب العام:
    ساهمت بعض الخطابات الرسمية والإعلامية في تحميل الأطر التعليمية مسؤولية اختلالات المنظومة، وهو ما أضعف مكانتهم في الوعي الجمعي، وفتح الباب أمام تشكيك علني في دورهم، وشرعن، بشكل غير مباشر، الإساءة إليهم.

  3. قصور الحماية القانونية:
    يعاني الإطار القانوني من هشاشة واضحة في حماية رجال ونساء التعليم، سواء على مستوى الردع أو فاعلية الإجراءات الزجرية. فضعف العقوبات وتباطؤ المساطر القانونية يبعثان برسائل سلبية، تشجع على التمادي في الانتهاكات دون خوف من العقاب.

  4. أزمة ثقة في المدرسة العمومية:
    تعاني المدرسة من تآكل صورتها كفضاء للعلم والتنشئة، وتحولت، في نظر فئات واسعة من المجتمع، إلى مؤسسة فاقدة للسلطة والفاعلية. هذا التراجع في المكانة جعلها هدفًا سهلًا للتجاوزات، دون احترام لحرمتها أو لهيبة العاملين بها.

تُشكّل هذه العوامل مجتمعة خطرًا داهمًا، ليس فقط على كرامة الأستاذ، بل على مستقبل المدرسة العمومية بأكملها. فكيف يمكن بناء تعليم فعّال في بيئة يسودها التوتر والخوف؟ وكيف يمكن للمربي أن يضطلع بدوره التوجيهي والتعليمي وسط شعور دائم بانعدام الأمان؟

إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة سلوكية، بل أزمة قيمية ومؤسساتية تهدد تماسك المجتمع برمّته.
ولعل استحضار مقولة جان جاك روسو: “حين نُعد الإنسان لأن يعيش في مجتمع فاسد، نكون قد حكمنا عليه بأن يكون فاسدًا”، يلخّص المأزق الذي نواجهه.
فإصلاح التعليم لا يمكن أن يتم دون إعادة الاعتبار للمعلم، وضمان كرامته، وحمايته من كل أشكال العنف، المادي والمعنوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى