مقالات الرأي

في نقد إذكاء روح الديمقراطية المستودة وإجهاض الديمقراطية الناشئة

مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن

يقول نعوم تشومسكي”ديمقراطية الولايات تمنحك حرية اختيار من سيقوم باستغلالك، لكنها لا تمنع الاستغلال نفسه وهذا ينطبق على أي نظام إمبريالي يرفع شعارات ديمقراطية بينما يمارس الهيمنة خارج حدوده ” .
لا يمكن اعتبار الكيان الإسرائيلي “دولة ” ديمقراطية بشكل كامل كما يتم ترويجه في بعض الأحيان. الديمقراطية الحقيقية تقوم على احترام حقوق الإنسان والمساواة بين جميع المواطنين، بما في ذلك احترام حقوق الأقليات.

وهذا النقاش يمكن أن يثار بمجرد إقرار الجميع بحل الدولتين وقد يكون مقبولا طرحه للتقييم ، أما في حالة الكيان الإسرائيلي على حالته وفي علاقته بالساكنة التي يحكمها على الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحت رايته الحاملة للنجمة السداسية ، هناك عدد من القضايا التي تثير التساؤلات حول مدى ” ديمقراطيتها ” داخليا .
أولا إن الانتخابات وسيلة وغاية ؛ وفي حالة الكيان الإسرائيلي ليست كافية لتحديد الديمقراطية: صحيح أن إسرائيل تجري انتخابات دورية فيما بين أحزابها السياسية للتنافس على من يدير الشأن العمومي ، لكن الديمقراطية لا تعني مجرد إجراء الانتخابات، بل تعني حماية حقوق الإنسان واحترام الحريات الأساسية. وفي حالة إسرائيل، هناك تمييز واسع ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل ( المعترف بها أمميا ) وكذلك في الأراضي المحتلة، حيث يعانون من قوانين وقيود تقيّد حقوقهم السياسية والاجتماعية. النظام الإسرائيلي يواجه انتقادات من منظمات حقوق الإنسان العالمية بسبب سياسته تجاه الفلسطينيين ، وهذا من باب تحصيل الحاصل كحقيقة تاريخية وإعلامية .
وثانيا لا يمكن لأي كان ولو كان يعتز بأنه إسرائلي بالتجنيس (السياسي أو الأمني ) بأن الاحتلال الإسرائيلي يرتكز على الفصل العنصري، فإسرائيل تقوم باحتلال أراضٍ فلسطينية منذ عام 1948 وفي نظر الأمر الواقع المساوم منذ عام 1967، وتستمر في بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما يعتبر خرقاً للقانون الدولي. كما أن العديد من المؤرخين والأكاديميين والناشطين النزهاء يعتبرون أن إسرائيل تمارس نظام الأبارتايد (الفصل العنصري) بحق الفلسطينيين، خصوصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وثالثا أن الكيان الإسرائيلي يتمثل الثيوقراطية التوراتية كإطار مرجعي يمتح منه شرعيته وسردياته الأمنية ؛ فإسرائيل تُعتبر دولة يهودية كسردية دينية ، ذلك أنها سياساتها تستند جزئياً إلى تفسيرات دينية توراتية. هذا الأمر يعقد المسألة بشكل أكبر، لأن الدولة تُميز لصالح اليهود على حساب غيرهم من المواطنين، خاصة الفلسطينيين، الذين يعيشون داخل الكيان الإسرائيلي أو في الأراضي المحتلة.
ورابعا من حيث الحقوق السياسية هناك تمييز وعدم تكافؤ الفرص ؛ فعلى الرغم من وجود انتخابات في إسرائيل، إلا أن حقوق الفلسطينيين لا تُحترم بنفس الشكل الذي يتمتع به الإسرائيليون . ناهيك عن القوانين تمنح اليهود امتيازات خاصة، مثل قانون “الدولة القومية” الذي يميز اليهود كأولوية في الحقوق الوطنية، ما يؤدي إلى حرمان الفلسطينيين من بعض الحقوق الأساسية مثل حق العودة أو حق تقرير المصير ؛ ناهيك عن ظاهرة الوصم والتمييز فيما بين اليهود الوافدين أنفسهم .
خامسا من حيث نظام صياغة القرار ، تتخذ إسرائيل قراراتها في سياق داخلي يُستثنى منه الفلسطينيون بشكل كبير. كما أن معظم القرارات العسكرية والقتالية تتخذ من قبل الحكومة أو الجيش دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الفلسطينيين أو حقوقهم.
إذاً، من خلال هذه الزوايا المختلفة والأكاديمية حتى وعلى علتها وانحيازها ، يمكن القول إن إسرائيل لا تحقق المعايير المتعارف عليها للديمقراطية، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار ممارسات الاحتلال والإستئصال الهوياتي و التفرقة العنصرية .
وللذين يفكرون في تبني ديموقراطية إسرائيل كحق يراد به باطل او ذريعة لتوسل ود ما ولأجل غاية سياسية أو منفعة مالية ، نذكر بدور الانتروبولوجيا الكولونيالية وعلاقتها بسوسيولوجيا الديموقراطية ، فلفهم سوسيولوجيا الديمقراطية اليوم، يجب نزع الطابع الاستعماري عن المعرفة، والاعتراف بأن الديمقراطية ليست نموذجًا واحدًا، بل متنوعًا بتعدد التجارب الإنسانية. ففي هذا السياق قال فرانتز فانون : “ليس هناك ديمقراطية حقيقية دون تحرر من إرث الاستعمار المعرفي والسياسي” . ولهذا نخشى ممن يمجدون سوسيولوجيا وإعلاميا بعض ” الديموقراطية ” أن يمارسوا على وطننا المقاوم والمكافح تقية الأنثروبولوجيا الكولونيالية ، والتي لم تكن مجرد “علم” محايد، بل كانت جزءًا من آلة الهيمنة التي بلورت شروط إمكانية الديمقراطية في سابق المُستعمَرات وحاضرها . وفي آخر التحليل ما نخشاه من الواهمين بجدوى تمثل الديموقراطيات الإستعمارية أن يسقطوا في فخ سردية إستيراد النموذج والذي بحجة ” نشر الديموقراطية تم غزو قوى إمبريالية دولًا أخرى (مثل غزو العراق 2003)، وكانت النتيجة تدمير الدول المستهدفة وفرض هيمنة جديدة ، ولو أن للإمبريالية جلدا ناعما فهي تظل امبريالية ثقافية
تفرض دولة هيمنتها عبر وسائل سائلة وغير مباشرة مثل السيطرة الاقتصادية (الشركات متعددة الجنسيات)، أو الترويج لثقافتها وقيمها (مثل العولمة والحضارة ) ، مع الحفاظ على مظاهر ديمقراطية في سياستها ( القومية ) الداخلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى