مقالات الرأي

الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا وانعكاساتها على الدول المغاربية و مستقبل الديمقراطية والتعددية في أوروبا

العلاقات التاريخية والمتينة بين المغرب وفرنسا قادرة على الصمود والتكيف مع التغيرات السياسية.

بقلم : أحمد اكلكيم

تعيش فرنسا هده الأيام على إيقاع الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. وتخوض أربعة قوى سياسية غمار هذه الاستحقاقات بحظوظ متفاوتة حسب ما جاءت به استطلاعات الرأي.
من جهته أعلن حزب التجمع الوطني عن الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي، ودعا الناخبين لإطلاق يديه بمنحه غالبية المقاعد في حين تتمسك الجبهة الشعبية الجديدة بشعار الوحدة رغم ما يتداول عن تصفية الحسابات داخل حزب فرنساالأبية.اما التحالف الرئاسي بين القطبين يحاول حشد التأييد باسم الاعتدال.

لمحة عن التعايش السياسي في فرنسا بين المكونات السياسية الكبرى

تتميز الساحة السياسية الفرنسية بتعددية حزبية تتسم بالتنافس الشديد بين الأحزاب الرئيسية، وهي حزب الجمهورية إلى الأمام République En Marche) الذي أسسه الرئيس إيمانويل ماكرون، وأحزاب اليمين التقليدي مثل حزب الجمهوريين (Les Républicains)، وأحزاب اليسار مثل الحزب الاشتراكي (Parti Socialiste) وحزب فرنسا الأبية (La France Insoumise). كما يلعب اليمين المتطرف، المتمثل في حزب التجمع الوطني (Rassemblement National) بزعامة مارين لوبان، دوراً بارزاً في المشهد السياسي.
و تجدر الاشارة الى ان فرنسا تعتمد نظام التعايش السياسي (Cohabitation) في حال لم يحصل الرئيس على أغلبية برلمانية، مما يستدعي التعايش مع رئيس وزراء من المعارضة، وهذا يؤثر على صياغة السياسات وفعالية الحكومة.

الدوافع الجيوسياسية والاقتصادية وراء قرار الرئيس الفرنسي الدعوة لانتخابات مبكرة.

قرار ماكرون بالدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها يأتي في سياق جيوسياسي واقتصادي معقد. على الصعيد الجيوسياسي، تواجه فرنسا تحديات أمنية كبيرة، بما في ذلك الإرهاب والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن ضغوط من حلفائها الأوروبيين في إطار إعادة ترتيب التحالفات والنفوذ في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد (البريكست). اقتصادياً، تعاني فرنسا من تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وقد يؤدي هذا القرار إلى محاولة تأمين أغلبية برلمانية تُمكّن الحكومة من تنفيذ إصلاحات هيكلية وسياسات اقتصادية جديدة لدعم الاقتصاد الوطني.

الجدل القائم حول مشروعية هذا القرار

اثارت الدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها جدلاً واسعاً حول مشروعية القرار وأهدافه الحقيقية. يزعم المعارضون أن هذه الخطوة هي محاولة لتعزيز السلطة الرئاسية وتقويض دور البرلمان، فيما يدافع المؤيدون عنها باعتبارها فرصة لإعادة التوازن السياسي وضمان تنفيذ الإصلاحات الضرورية. تتباين الآراء القانونية حول ما إذا كانت هذه الخطوة تتماشى مع مبادئ الديمقراطية الدستورية أم تتعارض معها، مما يزيد من حدة الجدل السياسي.

الحملة الانتخابية

تشهدت الحملة الانتخابية تنافساً شديداً بين الأحزاب، حيث ركز كل حزب على نقاط قوة برنامجه الانتخابي. ركز حزب الجمهورية إلى الأمام على الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز الأمن الوطني، بينما ركز اليمين المتطرف على قضايا الهجرة والهوية الوطنية. من جهتها، ركزت أحزاب اليسار على العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوة بين الفقراء والأغنياء. وتميزت الحملة أيضاً بتبادل الاتهامات بين المرشحين وتصاعد حدة الخطاب السياسي.

في حالة فوز اليمين المتطرف، على غرار بعض الدول الأوروبية، كيف ستصبح السياسة الخارجية الفرنسية؟

إذا تمكن اليمين المتطرف من الفوز في الانتخابات التشريعية، فمن المتوقع أن تشهد السياسة الخارجية الأوروبية تحولات جذرية. من المرجح أن تتجه السياسات نحو تعزيز السيادة الوطنية والحد من النفوذ الأوروبي المركزي، مما قد يضعف تماسك الاتحاد الأوروبي. ستتبنى السياسات الخارجية مواقف أكثر تشدداً تجاه الهجرة وقد تتبنى نهجاً أكثر استقلالية فيما يتعلق بالعلاقات مع القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين. قد يؤدي ذلك إلى توترات جديدة داخل الاتحاد الأوروبي وتغييرات في الديناميات السياسية الإقليمية.

انعكاسات نتائج الانتخابات المبكرة على الدول المغاربية

الجزائر
قد يؤدي فوز اليمين المتطرف في فرنسا إلى تدهور العلاقات مع الجزائر، خاصة في ظل السياسات المتشددة تجاه الهجرة والجالية الجزائرية في فرنسا. كما قد تتصاعد التوترات بين البلدين فيما يتعلق بالتعاون الأمني والسياسي،.
المغرب
العلاقات المغربية الفرنسية تحكمها توابث سياسية قديمة و مصالح مشتركة و قوية وتنبني على التعاون في مجالات الأمن، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة الهجرة غير النظامية والتنمية الاقتصادية، مما يجعل هده العلاقات التاريخية والمتينة بين المغرب وفرنسا قادرة على الصمود والتكيف مع التغيرات السياسية.
تونس
تونس، التي تسعى لتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وتطوير اقتصادها الوطني، قد تواجه تحديات جديدة في حال فوز اليمين المتطرف في فرنسا. قد يتم تقليص الدعم الاقتصادي والتعاون التنموي، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد التونسي واستقرار البلاد.

توقعات نجاح اليمين في الحكم ومدى استمراريته…
رغم تصاعد شعبية اليمين المتطرف، إلا أن نجاحه في الحكم يعتمد على قدرته في تشكيل ائتلافات قوية وتنفيذ برنامجه الانتخابي. قد يواجه تحديات كبيرة في التعامل مع الملفات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. استمراريته في الحكم تعتمد على قدرته في تقديم حلول فعالة للمشكلات الوطنية وتحقيق الاستقرار السياسي.

تمثل الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها في فرنسا منعطفاً حاسماً في المشهد السياسي للبلاد، وتكشف عن االتحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجهها فرنسا في هذا الوقت. سواء أفضت هذه الانتخابات إلى تعزيز نفوذ اليمين المتطرف أم لا، فإنها ستؤثر بشكل كبير على سياسات فرنسا الداخلية والخارجية، وستعكس آثارها على العلاقات مع الدول المغاربيةمن جهة و الاتحاد الأوروبي من جهة اخرى.

احمد اكلكيم.
Clermont Ferrand
le 19/06/2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى