قراءة في هجوم موسكو
وفاء صندي كاتبة مغربية منشور بجريدة الاهرام المصرية
بعد أيام قليلة على انتخابات الرئاسة الروسية التي شهدت نسبة مشاركة واصوات هي الأعلى على الاطلاق منحت فلاديمير بوتين الاستمرار لولاية خامسة، استهدف الإرهاب ضواحي العاصمة موسكو، في هجوم يعتبر هو الأسوأ خلال العقدين الأخيرين.
بعد وقت قليل من الهجوم، سارع تنظيم داعش – خرسان إلى إعلان مسؤوليته عن حدوثه. ونشرت وكالة أعماق التابعة للتنظيم، تصريحا نسبته إلى “مصدر أمني” يؤكد فيه أن مقاتلي “الدولة الإسلامية” استهدفوا تجمعا لـ “النصارى” في ضواحي العاصمة الروسية، وأنهم انسحبوا إلى قواعدهم بسلام. وفي محاولة لتبرير هذه العملية، أورد التنظيم إن الهجوم “يأتي في السياق الطبيعي للحرب المشتعلة بين الدولة الإسلامية والدول المحاربة للإسلام”. بعد ذلك نشرت ذات الوكالة مقطع فيديو يظهر لقطات من الهجوم كما سجله أحد المنفذين، كنوع من التأكيد على صلة الجناة بتنظيم داعش.
على الرغم من إعلان داعش مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي، وعلى الرغم من التحذيرات الأمريكية، التي سبقته، بوجود مخططات إرهابية تستهدف تجمعات بشرية داخل روسيا، الا ان موسكو تصر على توجيه أصابع الاتهام نحو أوكرانيا التي سارع رئيسها الى نفي أي علاقة لبلده بهذا الهجوم. ومع اعتقال المنفذين الأربعة وسبعة اخرين، صرح الرئيس الروسي ان المنفذين حاولوا الاختباء والتوجه صوب أوكرانيا حيث، “كانت ثمة نافذة مجهزة لهم على الجانب الأوكراني لعبور حدود الدولة”.
يبدو من تصريحات بوتين والمسؤولين الروس انهم غير مقتنعين ببيانات داعش وفكرة تبنيه مسؤولية الهجوم. موسكو التي تمرست على التعامل مع داعش في سوريا، لديها قناعة بأن التنظيم مجرد “بيدق”، وأنه تم توظيفه من قبل دول أخرى لتنفيذ الهجوم. وهي ترى ان التنظيم، حتى ولو كان هو المنفذ فعلا، الا أنه مخترق أمنيا من قبل أجهزة الاستخبارات العالمية، ويتم توظيفه بشكل رئيسي وأساسي لخدمة الأجندات العالمية. وترى موسكو ان إلقاء القبض على المنفذين على مقربة من الحدود الأوكرانية يعني تورط كييف في هذه العملية الإرهابية.
بغض النظر عما اذا كانت الرواية الروسية صحيحة ام لا، هناك أسئلة مشروعة لابد من طرحها بخصوص اهداف داعش من وراء هذه العملية وكيفية تنفيذها. وهناك أيضا ملاحظات بخصوص اعترافات أحد المنفذين.
بخصوص الهدف من العملية، يقول داعش انها تأتي في السياق الطبيعي للحرب المشتعلة بين الدولة الإسلامية والدول المحاربة للإسلام. صحيح أن تنظيم داعش- خرسان نفذ خلال سبتمبر الماضي عملية انتحارية ضد السفارة الروسية في كابول ما أدى الى مقتل موظفين في السفارة، ما يعني ان العداء بينه وبين روسيا قائم دائما، لكن توقيت العملية السياسي داخل روسيا وفي ظل الحرب الهوجاء التي تعشيها غزة، يطرح شكوكا بخصوص نوايا داعش وأهدافه.
ثانيا، اعترافات أحد المتهمين بأنه اشترك في الهجوم مقابل الحصول على المال، تفند نظرية الدافع الأيديولوجي كمحرك للإرهاب. كما ان اعترافه بأنه تم تجنيده من خلال مجموعة على تطبيق تلغرام، دون أن يعرف هوية المسؤول يعكس عدم الانتماء الهيكلي للتنظيم وأيضا غياب فرضية الذئاب المنفردة. اما القول بأن السلاح وجد مخبأ في أحد الأماكن التي تم توجيهه إليها، فهذا يعكس عمل عصابات منظمة. ما يثير الشكوك أيضا حول اعترافات المتهم التي تبدو غير مقنعة، هو قوله بعدم معرفته بباقي المنفذين، في الوقت الذي تمت فيه العملية بشكل ممنهج ما يعكس نوعا من التفاهم والانسجام والتنسيق بين كافة المنفذين، وما يعني أيضا انهم ربما خضعوا لتدريبات مشتركة لفترة معينة.
بخصوص آليات تنفيذ الهجوم، نوعية الأسلحة المستخدمة والاستهداف العشوائي للضحايا والرغبة في اسقاط اكبر عدد من القتلى هو أسلوب داعشي بامتياز، لكن خروج المنفذين احياء من مسرح الجريمة وهروبهم هو تكتيك غريب على ادبيات ومخططات داعش. فدائما عملياته الارهابية تنتهي بتفجير المنفذين لأنفسهم او يتم قتلهم اثناء العملية.
على كل حال، الأسئلة المتعلقة بخبايا العمليات الإرهابية واختيار مواعيد تنفيذها والاهداف المرجوة منها، والجهات الواقفة وراءها أو المستفيدة منها، تبقى دائما أسئلة بدون إجابات واضحة تذكر. الأكيد ان تداعيات هجوم موسكو ستكون كبيرة. بالإضافة الى فقدان الإحساس بالأمان والاستقرار داخل روسيا، وتزايد الاسلاموفوبيا والكراهية ضد المسلمين، ربما سيتم استهداف مراكز حيوية داخل أوكرانيا، وسيتم رفع مستوى السلاح الروسي المستخدم، مع سعي موسكو حسم الحرب وفرض واقع بأسرع وقت ممكن. اما ردة الفعل الغربية فتبقى مفتوحة على كل الاحتمالات!