سرديات رمضانية / وقائع ومواقع : المنوزي يكتب عن القرار الاستئنافي في قضية الإعتداء العنيف على طفلة قاصر
في الحلقة الرابعة من سرديات رمضان..مصطفى المنوزي يذهب الى أن المنظومة الجنائية تحتاج إلى تعديلات تلائم بين مبدأ قرينة البراءة ومبدأ عدم الإفلات من العقاب

توقيع مصطفى المنوزي
صدر قرار إستئنافي برفع العقوبة في حق المشتبه بهم بالإعتداء العنيف على طفلة قاصر ؛ فهل يتعلق الأمر بالتطبيق المنصف للقانون أم مجرد إستجابة لمطالب الرأي العام المحتج على الحكم الجنائي الإبتدائي ؟ وهل سينتهي الحوار القانوني بعد ” امتصاص النقمة والغضب ” ؟
تبدو أن التساؤلات في غير محلها ، رغم التعبير عنها بعد صدور القرار اعلاه ؛ وقد يعاكس تيار ” الحقيقة الإعلامية ” ، ولكن في نظرنا ، ورغم النتيجة الإيجابية الحاصلة وما قد يستنتج منها من إستدراك حقوقي كغاية ، فإنه من باب النقد الموضوعي ، الذي ينبغي أن يفحص الأسباب عوض النتائج ، لا مناص من التعامل مع الحكم الإبتدائي على حالته ، فالقضاء اقتنع بتوفر عناصر الإدانة وأصدر العقوبات وفق القانون ، ولهذا ينبغي أن يتركز النقاش على واقعة ” تخفيف ” العقوبة ، وهل لها ما يبررها في القانون أم شابتها ممارسة تدليسية ، فالمسؤولية واحبة الإثبات وليست مفترضة كما يبدو .
هل يتعلق الأمر بالتطبيق المنصف للقانون أم مجرد إستجابة لمطالب الرأي العام المحتج على الحكم الجنائي الإبتدائي ؟ وهل سينتهي الحوار القانوني بعد ” امتصاص النقمة والغضب ” ؟
لأنه ، في نظرنا المتواضع ، هناك احتمال حصول سوء تقدير مدى إستحقاق المدانين التمتع بظروف التخفيف مادام الخطأ مفترض أن يحصل في الممارسة دون أن يحصل في المبدأ ، وبنفس القدر ، هناك احتمال حصول تدليس خلال البت ؛ وفي جميع الحالات ليس في مقدورنا سوى أن نحترم قرينة البراءة كأصل ؛ فإثبات عنصر التدليس (منسوب للقضاة ) شرط للأخذ والحكم بوجود ” غبن ” في حق الضحية أو في حق المجتمع . ليطرح السؤال كيف يمكن للسلطة المختصة أن تفتح تحقيقا فيما جرى دون التوفر على بداية حجة أو قرينة على ما حصل تلاعب أو استعمال وسائل احتيالية أو محاباة ضدا على مبدأي النزاهة والحياد !
ولأن الخطأ لا يمكن أن يصلحه الخطأ ، فإنه لا يعقل أن ننساق مع المنطق البلاغي عوض الحرص على التشبث بقواعد الحجاج ؛ فكل تهور في هذا الإتجاه قد يقوض إرادة المشرع الدستوري الذي يحرم أي مس بإستقلالية القضاة ، وبذلك فالقاضي مسؤول شخصيا عن خطئه القضائي في حالة ثبوت التدليس ، ولهذا على من له مصلحة أن يثبت حصول الضرر أولا ثم إثبات التدليس إن كان له محل .
وعند مناقشة طبيعة الضرر ينبغي التأمل وافتحاص الضرر ، و هل هو معنوي أم مادي أم هما معا ؛ ويبدو أنه ، بعد صدور القرار الإستئنافي في حق الجناة ، أن أولياء الضحية قد أشفوا غليلهم ولكن عملية جبر الضرر النفسي والعضوي مسلسل طويل ؛ في حين أن المنظومة الجنائية تحتاج إلى تعديلات تلائم بين مبدأ قرينة البراءة ومبدأ عدم الإفلات من العقاب ، فهو إجراء ينضوي تحت إطار الإصلاح التشريعي ، يرافقه نقاش عمومي ثقافي يراعي التحولات الحاصلة ، ويقتضيه عنصر الإستعجال، وإلا سنعيش عودة ” قضاء الشارع ” المؤثر والضاغط لمجرد تعاطف ، وقد يستعمل هذا التأثير بشتى الوسائل ولكافة الغايات غير المضمونة العواقب ، وقد يستغله خصوم إستقلالية السلطة القضائية لتكريس ” حق النظر والتدخل في شؤون القضاء ” لتمرير الوصاية والتوجيه ضدا على العدالة والإنصاف ، في ظل تماهي المسؤوليات وتداخل الصلاحيات دون فصلها عن بعضها البعض ، في ظل سهولة التعبئة ( الوجدانية ) بواسطة وسائل التواصل الإجتماعي .
من باب النقد الموضوعي ، الذي ينبغي أن يفحص الأسباب عوض النتائج ، لا مناص من التعامل مع الحكم الإبتدائي على حالته
وفي رأينا لابد من إصلاح شامل للمنظومة الجنائية خاصة في مجال الحريات الفردية والشخصية في مفهومها الواسع ، فالردع كما الكبح والكبت وسائل ونتائج للإنحراف وسوء استعمال الحق والقانون أو التعسف في إستعمالهما .
وهذا يتطلب إنخراط الجميع في مأسسة الإصلاح بعيدا عن أية إنتقائية أو إنحياز . وللسلطات المعنية أن تمارس رقابتها ” الداخلية ” على مكوناتها ، وفقا للقانون دون محاباة أو تعسف حتى ! وهنا ندعو إلى مساءلة مضمون مدونة الأخلاقيات القضائية التي ظلت حبيسة الرفوف منذ نشرها يوم 8 مارس 2021 .