الرئيسيةثقافات وفنونمنوعات

“الكدرة”… رقصة إنسان الصحراء

خاص “البلد”

“الكدرة ” رقصة صحراوية شعبية ضاربة في القدم انتشرت أساسا في الجنوب المغربي حيث القبائل  الصحراوية العريقة من قبيل قبائل الحمادة ودرعة وزمور والساقية الحمراء، ولتعرف هذه الرقصة التي تستمد اسمها من الإناء المستدير (الكدرة) ذروة انتشارها وإشعاعها في مناطق وادي نون التي تفنن رجالها ونساءها في أداء أقدم وأعرق الرقصات .

 

                                       لا تتأتى رقصة “الكدرة ” دون الآلة الإيقاعية الرئيسية وهي “الطبل” أي “الكدرة”  الذي هو في الأصل عبارة عن إناء خشبي مغطى بجلد الإبل أو الغنم ومشدود بحبال من نفس الجلد ومزركش بالحناء كعلامة رئيسة لطبل رقصة الكدرة الذي يخضع  قبل استعماله كآلة موسيقية في الرقصة لمراسيم خاصة واستثنائية عجائبية تقترب من “القداسة”  ، حيث إن عملية ربط  قطعة الجلد على فوهة الإناء، تتم داخل إطار شعائري ، يكمن في إنشاد كلمات ذات بعد ديني   وهو ما يعني دخول الإناء إلى مجال المقدس.

الجسد يتناسق في حركاته مع الصوت(النشيد) في إشارة إلى الشطحات الصوفية التي يراد منها بلوغ الحقيقة الإلهية .

وحسب المشتغلين على رقصات الشعوب العريقة  فان رقصة الكدرة هي عبارة عن مسرحية مرتجلة يؤذيها أساسا الشباب الذكور الذين يوزعون المهام بينهم حيث يقوم العارفين بالإيقاع بالضرب على الطبول بواسطة قضيبين خشبيين (المغازل) فيما يتحلق الآخرون في شكل دائري مرددين نشيدا على شكل حوار حول موضوع معين يتم اختياره مسبقا، لتأتي المرحلة الفاصلة في رقصة الكدرة حين تدخل وسط حلقة الراقصين فتاة في كامل زينتها ملثمة لا يظهر منها إلا العيون تؤدي بدورها رقصات تزيد من حماس الرقصة ليأتي بعد ذلك الدور على البطل الذي يدخل ليكشف القناع عن الفتاة ويتعرف على محاسنها ويعلق على صدرها خنجرا دلالة على حمايتها وفي ذلك إشارة إلى أنه اختار زوجة المستقبل ليشتد بعدها الإيقاع إيذانا بانتهاء الرقصة ولتستأنف من جديد بعد استراحة قصيرة بنفس الشباب وبفتاة أخرى

سؤال القداسة

 

من بين أكثر الأسئلة المثيرة التي لم تجد لها جوابا والمتعلقة برقصة الكدرة هناك سؤال القدسية التي ارتبطت بهذه الرقصة وطقوسها حيث توارثتها الأجيال في مجتمع صحراوي قبلي منغلق في إشارة إلى توارث كنز تراثي نفيس ومن ذلك ما يعطي لبعض التفسيرات والقراءات دلالاتها فقد ربط العديد من الباحثين بين هذه الرقصة وبين طقوسها الصوفية حيث تنبني غالبية الكلمات التي تسرد أثناء الرقصة على أدعية وأهازيج مفعمة بالمعاني الدينية التي تناجي الرب وتطلب العفو والغيث (المطر) والنجاة من عذاب القبر والآخرة

وقد فسر باحث مغربي في التراث في قراءاته لرقصة الكدرة التي تؤذيها راقصة شابة أن الجسد يتناسق في حركاته مع الصوت(النشيد) في إشارة إلى الشطحات الصوفية التي يراد منها بلوغ الحقيقة الإلهية ..وفي ذلك ما يفسر أن راقصات “الكدرة” يفقدن التواصل بالعالم الخارجي أثناء تأديتهن للرقصة ما يزيد من غموض هذه الرقصة الخالدة .

 

رقصة الأعراس

 

المجتمع الصحراوي في مناطق بعينها من الجنوب المغربي يحرص أشد الحرص على الإبقاء على العديد من التقاليد والعادات القديمة والتي تحولت إلى طقس لازم هذه القبائل في كل مناسبتها الموسمية والمناسباتية كالأعراس مثلا التي لا يمكن إحياءها دون أن تكون رقصة “الكدرة” مثلا أحد أهم مكونات الفرحة والانتشاء لما تمثله في ذاكرة ومخيال وروح إنسان الصحراء من علامات الفرح التي تعكسها بجلاء الرقصة والتي تتميز أساسا بخفة الحركة وتزامنها مع الإيقاع الرنان للطبل الذي يترك صدى مميزا ومختلفا وساحرا في نفس وشعور متتبع حلبة الرقص ، فرقصة ” الكدرة” حسب باحث في المجال   هي نتاج البيئة البدوية الحسانية صيغت في قالب يناسب الحياة في الصحراء و ترتبط بالجماعة في نشاطها و احتفالاتها و في جو تحدوه التلقائية، العفوية، و روح الإبداع، و لغة متعددة الدلالات و المعاني و خطاب جسدي مرئي يقول ما لا يمكن أن ينطق به اللسان. وهو لغة معبرة تتكلمها كل أعضاء الجسد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى