تو ج مهرجان كان جوليا دوكورنو عن فيلمها المعاصر “تيتان”، مما جعل السينمائية الفرنسية ثاني مخرجة تفوز بالسعفة الذهبية في تاريخ المهرجان الذي اختتم دورته الرابعة والسبعين مساء السبت بعد غيابه العام الماضي بسبب جائحة كوفيد-19.
فلجنة التحكيم التي شكل اختيار سبايك لي لرئاستها خطوة تاريخية في ذاتها كونه أول أميركي أسود يتولى هذه المهمة، كافأت دوكورنو البالغة 37 عاما، أصغر المخرجين المشاركين في المسابقة. وحصلت المخرجة الفرنسية على السعفة الذهبية بعد 28 عاما من منحها لجين كامبيون عن فيلمها “ذي بيانو”.
وشكرت جوليا دوكورنو للجنة التحكيم “إدراكها للحاجة الماسة والعميقة إلى عالم أكثر مرونة وشمولية”، و”دعوتها إلى مزيد من التنوع في تجاربنا السينمائية وفي حياتنا”. وأضافت “شكرا أيضا للجنة التحكيم لسماحها للوحوش بالدخول”.
وأضافت “أدرك أن النقص أزمة، وأن الوحشية التي تخيف البعض ويركز عليها عملي هي بمثابة سلاح وقوة لزحزحة جدران المعيارية التي تحبسنا وتفصلنا”.
ويشكل منح دوكورنو هذه الجائزة رسالة بالغة الأهمية للصناعة السينمائية التي تشهد أكثر من أي وقت مضى إعادة نظر منذ أربع سنوات في ما يتعلق بمكانة المرأة والمساواة بين الجنسين، على إثر قضية المنتج السينمائي السابق هارفي واينستين ثم حركة “مي تو”.
واقتصر عدد الأفلام التي أخرجتها نساء على أربعة فحسب من أصل 24 عملا كانت تتنافس على السعفة الذهبية.
وتميزت حفلة توزيع الجوائز بخطأ ارتكبه سبايك لي الذي أعلن على الفور هوية الفائز بالسعفة الذهبية فيما كان يفترض أن يكشف اسم رابح جائزة أفضل ممثل. وما لبث أن اعتذر متوجها إلى طاقم الفيلم بقوله “أنا كمن أخطأ الهدف (…) أنا آسف، فلينسوا سبايك لي”.
أما على المستوى الفني، فاختار المهرجان مجددا ، من خلال تتويجه “تيتان” الذي يتسم بأسلوب معاصر ينطوي على أكبر قدر من العنف والسوداوية والتوجهات النسوية، منح الجائزة لأحد الأعمال المعروفة بـ”أفلام النوع”، بعد تتويجه عام 2019 فيلم “باراسايت” للكوري الجنوبي بونغ جون.
وقد أثار الفيلم صدمة لدى المتابعين في المهرجان هذا العام لكونه الأعنف بين الأعمال المشاركة في المنافسة، كما أنه لم يحظ باستحسان نقاد كثر.
وكانت المخرجة تركت أثرا قويا في مهرجان كان بفيلمها الطويل الأول “رو”، وهو قصة صادمة عن طالبة في الطب البيطري تستحيل من آكلة لحوم البشر. وقد جعل هذا العمل من دوكورنو الاسم الأبرز في هذه الفئة من الأفلام السوداوية في فرنسا.
وفي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، حظيت المخرجة بدعم نايت شيامالان، أحد أبرز الأسماء في مجال أفلام الرعب، وهو كلفها إخراج حلقتين من مسلسله “سيرفانت”.
وفي مؤشر آخر للانفتاح على الجيل الشاب، منحت لجنة التحكيم جائزتي أفضل أداء تمثيلي إلى ممثل وممثلة في الثلاثينيات من العمر. على الجانب النسائي، فازت النروجية رينات رينسفي (33 عاما) بالجائزة عن دورها في فيلم ” “ذي وورست برسن إن ذي وورلد” للنروجي يواكيم ترايير، حيث تؤدي دور شابة تبحث عن ذاتها.
ويستكشف الفيلم شتى المسائل التي تشغل بال بطلة العمل جولي، من الرغبة إلى الإخلاص مرورا بالأمومة والعلاقة مع الوالدين والاختلافات بين الأجيال … وتقام كل هذه المعالجات على ضوء الموضوعات الرئيسية المعاصرة: مكانة المرأة في المجتمع، والبيئة، والغزو الرقمي.
أما على صعيد الممثلين الذكور، فقد منحت لجنة التحكيم جائزة أفضل ممثل للأميركي كاليب لاندري جونز (31 عاما) عن أدائه في فيلم “نيترام” الذي يجسد فيه دور شاب يعاني اضطراب الشخصية الحدية يستعد لارتكاب إحدى أفظع جرائم القتل الجماعي في تاريخ أستراليا.
وقد أفرد المهرجان هذا العام مساحة كبيرة للسينمائيين الشباب على حساب أسماء آخرين مخضرمين، بعضهم يعمل خلف الكاميرا منذ سبعينيات القرن الماضي مثل بول فيرهوفن الذي أثار فيلمه “بينيديتا” عن راهبة مثلية في القرون الوسطى، خيبة أمل لدى المتابعين، أو ناني موريتي الذي كان يطمح لنيل السعفة الذهبية للمرة الثانية مع فيلمه “تري بياني”، لكنه خرج من المنافسة خالي الوفاض.
وتشارك مخرجان بالتساوي الجائزة الكبرى من لجنة التحكيم، وهما الفنلندي يوهو كووسمانن والإيراني أصغر فرهادي الذي دعا في كلمة له من على مسرح الحفلة الختامية للمهرجان إلى “تعزيز الوعي” في بلاده.
على نطاق أوسع، نجح مهرجان كان هذا العام في إدخال تغييرات حظيت بإشادة جهات مختلفة: إذ س جل منحى نسوي لافت خلال فعاليات الحدث السينمائي.
كما احتل المناخ حي زا أكثر أهمية من أي وقت مضى، مع مجموعة خاصة للأفلام عن البيئة، كما الحال مع أيسي مايغا التي استعرضت تاريخ عائلتها مع فيلم “المشي على الماء” الذي يعالج قضية النفاذ إلى هذا المورد الحيوي. ويبقى الموضوع المناخي مسألة مهمة للمهرجان الذي لا يزال أمامه طريق طويل للاستمرار في الحد من بصمته البيئية.
كما شكلت الحفلة الختامية مناسبة لمنح سعفة فخرية للمخرج الإيطالي ماركو بيلوكيو الذي قدم فيلما وثائقيا شخصيا للغاية بعنوان “ماركس يمكن أن ينتظر”، بعد خمسة عقود من العمل الملتزم، لم يتوان فيها عن انتقاد المؤسسات العسكرية والدينية.
وبعد تقديم الجوائز، يعرض مهرجان كان في الختام أكثر الأفلام الفرنسية المنتظرة هذا العام “أو اس اس 117، أليرت روج أون أفريك نوار” للمخرج نيكولا بيدوس مع جان دوجاردان وبيار نيني وفاتو ندياي.
وكان المهرجان منح مساء الجمعة جائزته عن فئة “نظرة ما” إلى الروسية كيرا كوفالينكو عن فيلمها “أنلنشينغ ذي فيستس” الذي يروي قصة شابة في مجتمع منغلق في أوسيتيا الشمالية.