مقالات الرأي

جيل Z والاحتجاجات: حقوق مشروعة لكن تحت سقف القانون

لمياء الخلوفي دكتوراة في القانون العام والعلوم السياسية 

شهد المغرب خلال الأيام الأخيرة أحداثًا اجتماعية متفرقة، اتخذت في بعض المناطق طابعًا احتجاجيًا رفع شعارات مطلبية تتعلق بالشغل والتعليم والكرامة.

وهي مطالب مشروعة من حيث المبدأ، تعبّر عن وعي شبابي متنامٍ ورغبة في المشاركة في الشأن العام، غير أن الطريقة التي تم بها التعبير عنها أحيانًا افتقدت للضوابط القانونية والمؤسساتية التي تضمن سلميتها وتحافظ على الأمن العام.

من الناحية القانونية، لا جدال في أن الدستور المغربي يقرّ حرية التعبير والتجمع السلمي، لكنه في الوقت ذاته يجعل هذه الحقوق مقيدة باحترام القانون وحماية النظام العام. فالدولة، في إطار الشرعية، تتحمل مسؤولية مزدوجة: ضمان ممارسة الحريات، وضمان استقرار الوطن وأمن المواطنين.

وإذا كان التدخل الأمني في بعض الحالات قد أثار نقاشًا، فإن تقييمه يجب أن يتم في ضوء مبدأ التناسب والضرورة، أي في حدود ما يفرضه القانون لحماية الأرواح والممتلكات ومنع الانزلاق نحو الفوضى.

كما ينبغي التذكير بأن مؤسسة الملك، باعتبارها الضامن لاستمرار الدولة ووحدة الأمة، كانت دائمًا حاضرة في توجيه النقاش الوطني نحو الإصلاح الهادئ والمتدرج، وهو ما أثبته التاريخ الحديث للمغرب، سواء في إصلاحات دستور 2011 أو في المبادرات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
فالمقاربة الملكية تقوم على مبدأ التوازن بين توسيع مجال الحقوق والحريات، والحفاظ على الأمن والاستقرار، وهي معادلة دقيقة تميز النموذج المغربي عن غيره من التجارب التي انجرفت إلى الفوضى عندما غابت فيها الدولة أو تهاوت المؤسسات.

إن المطالب الاجتماعية للشباب المغربي تبقى مشروعة ومفهومة، غير أن التعبير عنها يجب أن يمر عبر القنوات القانونية والمؤسسات المنتخبة، بما يعزز دولة القانون ويكرس ثقافة الحوار والمسؤولية.

فالديمقراطية لا تُبنى بالاحتجاج الدائم، بل بالمشاركة الواعية في صنع القرار، عبر الأحزاب، النقابات، والجمعيات المدنية.

وفي هذا السياق، فإن ضعف تفاعل بعض القوى السياسية أو غيابها عن اللحظة الراهنة لا ينبغي أن يُفهم كغياب للدولة، لأن الدولة المغربية – بقيادة جلالة الملك – أثبتت، في أكثر من مناسبة، أنها قادرة على الإصغاء والتفاعل مع هموم المواطنين، من خلال مبادرات اجتماعية كبرى، مثل تعميم الحماية الاجتماعية، وإصلاح المنظومة الصحية، ومراجعة مدونة الأسرة بما يتماشى مع قيم العدل والإنصاف.

إن القراءة القانونية الموضوعية لما جرى تقتضي التأكيد على أن الاحتجاج حق، لكن الأمن أيضاً حق، وأن سيادة القانون لا تتحقق إلا بتكامل هذين البعدين. لذلك، فالدولة مدعوة إلى الاستمرار في مسار الإصلاح الهادئ، لكن ضمن منطق المشروعية الدستورية واحترام المؤسسات، وعلى المواطنين – وخاصة الشباب – أن ينخرطوا إيجابياً في البناء بدل الاكتفاء بالرفض.

فالمغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، يمر من مرحلة دقيقة لكنها حاسمة في ترسيخ دولة حديثة تجمع بين الحرية والانضباط، بين الحقوق والواجبات، وبين النقد البنّاء والولاء الوطني. وهذه المعادلة هي التي تضمن بقاء الدولة قوية، عادلة، ومتماسكة أمام كل التحديات الداخلية والخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى