سقط حوالى ثلاثة آلاف جريح وتسعة قتلى على الأقل في مناطق مختلفة من لبنان عصر الثلاثاء حين انفجرت بصورة متزامنة في أيدي عناصر من حزب الله أجهزة لاسلكية لتلق ي الإشعارات “بايجرز”، في هجوم غير مسبوق حم لت الدولة اللبنانية والحزب الشيعي إسرائيل المسؤولية عنه.
وقال حزب الله في بيان إنه “بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوافرة حول الاعتداء الآثم… فإننا نحمل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي… هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل”.
وفي اتصال مع وكالة فرانس برس، رفض الجيش الإسرائيلي الإدلاء بتعليق على ما حصل.
من جانبها، سارعت واشنطن إلى نفي “ضلوعها” أو “علمها” مسبقا بهذه الانفجارات، وحضت طهران على تجنب التصعيد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر للصحافيين “أستطيع أن أقول لكم إن الولايات المتحدة لم تكن ضالعة في الأمر، ولم تكن على علم بهذه الحادثة مسبقا، وفي هذه المرحلة نقوم بجمع المعلومات”.
وأضاف “نحض إيران على عدم استغلال أي حادثة لمحاولة مفاقمة عدم الاستقرار وتصعيد التوترات في المنطقة”.
وأعلن التلفزيون الإيراني أن السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني أصيب في أحد هذه الانفجارات، لكنه أوضح أنه “بكامل وعيه، ولا يوجد أي خطر عليه”.
ودانت حركة حماس ما وصفته بأنه “عدوان إرهابي صهيوني” وحملت “حكومة الاحتلال المسؤولية كاملة عن تداعيات هذه الجريمة الخطيرة” التي قالت إنها “تتحد ى كافة القوانين والأعراف”.
وفي حصيلة جديدة، أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض أن الانفجارات التي وقعت في مناطق مختلفة في لبنان، أسفرت عن “9 شهداء بينهم طفلة عمرها 8 سنوات… وحوالى 2800 جريح حالة حوالى 200 منهم حرجة”.
وقال الوزير إن معظم الإصابات “في الوجه واليد ومنطقة البطن”.
وأكد مصدر مقرب من حزب الله ان نجل النائب في حزب الله علي عم ار بين القتلى.
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى إصابة 14 شخصا في دمشق ومحيطها بانفجار أجهزة اتصال.
وقال مصدر مقرب من الحزب لفرانس برس إن “أجهزة الإشعار (بايجرز) التي انفجرت وصلت عبر شحنة استوردها حزب الله مؤخرا تحتوي على ألف جهاز”، يبدو أنه “تم اختراقها من المصدر”.
لكن صحيفة “نيويورك تايمز” أفادت نقلا عن مسؤولين أميركيين “وآخرين” لم تسمهم قولهم إن أجهزة النداء اللاسلكية التي انفجرت صنعتها شركة “غولد أبولو” التايوانية وفخختها إسرائيل قبل أن تصل إلى لبنان.
وأوضحت الصحيفة أن الطلبية التي تلقتها “غولد أبولو” تضمنت نحو ثلاثة آلاف جهاز، معظمها من طراز “إيه بي 924″، وقد عبثت بها إسرائيل قبل وصولها إلى لبنان من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات بداخل كل منها.
وقال لوكالة فرانس برس المحلل العسكري والأمني إيليا مانييه الذي يقيم في بروكسل إنه “لكي تتمكن إسرائيل من إخفاء محفز متفجر في الشحنة الجديدة من أجهزة النداء، فمن المرجح أنها احتاجت للوصول إلى سلسلة توريد هذه الأجهزة”.
ورجح المحلل أن تكون “الاستخبارات الإسرائيلية قد تسللت إلى عملية الإنتاج، وأضافت إلى أجهزة النداء مكو نا متفجرا وآلية تشغيل عن بعد، دون إثارة الشكوك”.
وأضاف أن هذا الأمر يطرح احتمال أن يكون الطرف الثالث الذي باع هذه الأجهزة هو “واجهة استخباراتية” أنشأتها إسرائيل لهذا الغرض.
وعلى صعيد ردود الفعل، اعتبرت المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت في بيان أن أحداث الثلاثاء تشكل “تصعيدا مقلقا للغاية”.
وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، نصبت خيام لاستقبال المتبرعين بالدم.
وأظهرت مقاطع فيديو جرحى ممددين في الشارع وسط ازدحام مروري، وانفجار في أحد الأسواق، وجرحى ممددين على الأرض في أحد المستشفيات.
وقال موسى المقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت طالبا عدم كشف كامل هويته “طوال حياتي لم أر شخصا يمشي في الشارع… ومن ثم ينفجر”.
وتابع “زوجتي وأنا كنا في طريقنا للطبيب (…) فجأة رأيت أشخاصا ممددين أرضا أمامي”.
من جانبه، أعلن وزير التربية والتعليم اللبناني عباس الحلبي إقفال كل المؤسسات التعليمية الأربعاء “استنكارا”.
ومساء الثلاثاء، أعلنت شركة الخطوط الجوية الفرنسية (إير فرانس) تعليق رحلاتها إلى كل من تل أبيب وبيروت حتى الخميس ضمنا “بسبب الوضع الأمني” في إسرائيل ولبنان.
بدورها، أعلنت شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا تعليق رحلاتها إلى كل من تل أبيب وطهران حتى 19 سبتمبر ضمنا.
وعلى صعيد متصل، قال جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الشاباك الثلاثاء إنه أحبط مخططا لحزب الله لاغتيال مسؤول أمني إسرائيلي سابق، لم يسمه، بواسطة عبوة ناسفة يتم التحكم فيها عن بعد.
ومنذ بدء الحرب في غزة قبل عام تقريبا، تشهد المنطقة الحدودية بين الدولة العبرية ولبنان تبادلا شبه يومي لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، حليف حماس، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين في كلا الجانبين.
ووقعت الانفجارات في لبنان بعيد ساعات من إعلان إسرائيل توسيع أهداف الحرب ضد حركة حماس في قطاع غزة إلى الحدود الشمالية مع لبنان.
وهذه الانفجارات هي الأولى من نوعها منذ بدء تبادل إطلاق النار عبر الحدود.
وشاهد مراسل فرانس برس في البقاع (شرق لبنان) أعدادا كبيرة من الجرحى يتدفقون على المستشفيات. وقال مراسل الوكالة في مدينة صيدا بجنوب لبنان إن سيارات الإسعاف وصلت بالعشرات إلى المستشفيات.
وفجر الثلاثاء، أعلنت إسرائيل أنها قررت توسيع أهداف الحرب إلى الحدود الإسرائيلية-اللبنانية، على أساس أنه الحل الذي سيسمح بعودة السكان إلى بلداتهم، فيما كانت الأهداف الرئيسية المعلنة للحرب في غزة حتى الآن هي القضاء على حماس التي سيطرت على القطاع في عام 2007، وإعادة الرهائن الذين خطفوا خلال هجوم 7 أكتوبر.
وقال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إن “المجلس السياسي والأمني قام بتحديث أهداف الحرب لتشمل العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم”.
ومضى وزير الدفاع يوآف غالانت إلى أبعد من ذلك بقوله للمبعوث الأميركي آموس هوكستين، إن “السبيل الوحيد المتبقي لضمان عودة سكان شمال إسرائيل إلى مناطقهم سيكون من خلال عمل عسكري”.
وفي ظل ارتفاع خطر نشوب حرب واسعة، ي توقع أن يصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى مصر الأربعاء لمناقشة اقتراح جديد يهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن عشرات الرهائن المحتجزين في القطاع.
وأدت غارة إسرائيلية الثلاثاء على مدينة بليدا الحدودية في جنوب لبنان إلى مقتل ثلاثة أشخاص، بحسب السلطات اللبنانية، في حين قال الجيش الإسرائيلي إنه قتل عناصر من حزب الله الذي أعلن قصف مواقع عسكرية في شمال إسرائيل.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض عدة مسي رات أطلقت من لبنان فوق منطقة خلاء.
ومساء الثلاثاء، أعلنت شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا تعليق رحلاتها إلى كل من تل أبيب وطهران حتى الخميس 19 سبتمبر ضمنا.
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر، مع شن حماس هجوما تسب ب بمقتل 1205 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية. ويشمل هذا العدد رهائن قضوا خلال احتجازهم في قطاع غزة.
وخطف خلال الهجوم 251 شخصا، لا يزال 97 منهم محتجزين، بينهم 33 يقول الجيش إنهم لقوا حتفهم.
ورد ت إسرائيل بحملة قصف مدمرة وهجوم بري على غزة، ما أسفر عن سقوط 41252 قتيلا على الأقل، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس. وتؤكد الأمم المتحدة أن غالبية القتلى من النساء والأطفال.
وقبل فجر الثلاثاء، استهدفت غارات جوية إسرائيلية مناطق مختلفة في غزة وأسفرت عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل، من بينهم ثلاثة في منزل في مدينة غزة، بحسب الدفاع المدني الفلسطيني.
وصرخت النازحة آلاء حليلو البالغة 32 عاما في مدينة غزة “لقد دمرت هذه الحرب كل شيء، صحتنا العقلية والجسدية، ومستقبلنا وأحلامنا. لقد فرقتنا عن أحبائنا، ودمرت كل ما كان جميلا في حياتنا”.
وبعد أشهر من المفاوضات غير المثمرة سعيا للتوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر الإثنين أن الولايات المتحدة تعمل “خصوصا مع مصر وقطر”، دولتي الوساطة الأخريين، على اقتراح تسوية جديد لم يكشف عن تفاصيله.
وقالت قطر الثلاثاء إن الجهود ما زالت مستمرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
بدوره، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الثلاثاء من دبي إن “الشيء الوحيد الذي أستطيع قوله هو إن على جميع الفاعلين المعنيين أن يستمروا في الضغط على الطرفين للتوصل إلى اتفاق”.