ثقافات وفنونمنوعات

قصة صداقة مغربية تامي التازي ۔ فرناندو سانشيز ۔ إيف سان لوران

يقدم متحف إيف سان لوران بمدينة مراكش معرضا استثنائيا يتناول قصة صداقة ثلاثة مصممي أزياء وعوالم الإلهام المشتركة بينهم: تامي التازي، فرناندو سانشيز (1935۔2006) وإيف سان لوران (1936۔2008). وقد كان الثلاثة يشتركون في شغفهم للمغرب وألوانه وثراءه وكثرة ثرواته.

يعد هذا المعرض أول مقارنة بين رؤاهم، يتطرق إلى أهم لحظات الحوار التي جمعتهم منذ ستينات القرن الماضي. ويقدم مجموعة من الأعمال الرئيسية لثلاثتهم وأكثرها برهانا على رحلات كل واحد منهم البحثية وعلاقاتهم وتأثيرهم على بعضهم البعض.

وقد كان الثلاثة يتشاركون في تقديسهم لعلاقات الصداقة، واهتمامهم المتحمس بالفنون الزخرفية والفنون التطبيقية وتجلياتها في المغرب، كما كانوا مهوسون بالألوان وبـــ << عنف الانسجام وعنجهية المزج وحماسة الابتكار >> (إيف سان لوران). وكانوا يولون اهتماما شديدا لــ << عجائب أزقة مراكش >> (فرناندو سانشيز)، تلك المدينة التي << عرفتهم بالألوان >> (إيف سان لوران). شغفهم لهذه <<الساحرة المجهولة>> جمع بينهم مرارا وتكرارا.

يسعى هذا المعرض لترجمة هذه الصداقة وشغفهم للمغرب، فصمم على ضوء ما صرح به إيف سان لوران ذات يوم: << وإن كنت أليفا بأضواء وألوان منطقة شمال أفريقيا، لم أدرك إلا بعد فترة طويلة حين اكتشفت المغرب أن تلك الألوان التي تستهويني وتعبر عن كياني هي ألوان الزليج والزواق والجلابة والقفطان. فجرأة هذه الألوان التي منذ اكتشافي لها صارت ألواني، أدين بها لهذا البلد، لعنف الانسجام وعنجهية المزج وحماسة الابتكار. هذه الثقافة صارت ثقافتي، ولكن لم أكتفي بتوريدها، بل ضممتها وحولتها ولاءمتها<<. (1983)

في شتاء 1966، زار إيف سان لوران مراكش للمرة الأولى، ووقع في حبها منذ الوهلة الأولى. ومنذ تلك اللحظة، لم يكف يوما عن زيارتها، عدة مرات في السنة، وذلك حتى آخر مسيرته المهنية، وكانت هذه الزيارات فرصة ليأخذ نفسا جديدا لرسم مجموعاته الجديدة. كانت تامي التازي، التي اعتبرتها مجلة فوك عام 1965 رمزا للأناقة العصرية المغربية، أولى الصداقات التي ربطها إيف سان لوران في المغرب. أما عن علاقته بفرناندو سانشيز فقد تعرفا على بعضهما البعض وهما شابان في مدرسة الغرفة النقابية لمهن الخياطة بباريس، وبقيا صديقين طوال حياتهما. كان الثلاثة يعيشون في مدن الدار البيضاء، باريس ونيو يورك فكانت مراكش نقطة لقاءهم حيث كانوا يتشاركون في إعجابهم بثراء المخزون الزخرفي المغربي.

لطالما أصر وشدد المصمم على الأثر الكبير للمغرب في إبداعاته. فقد نجح في تبني البرنوس والسروال وغيرها من الملابس التقليدية الرجالية وأعاد ابتكارها لرسم ملابس نسائية مبتكرة. كما عرف كيف يستعير ويستخدم الألوان المغربية المتميزة بمزجها لدرجات زاهية ودافئة وأخرى هادئة. فالملابس التي صممها تصطدم فيها الألوان الساطعة لمراكش: الوردي، الأحمر والأصفر، إضافة إلى الألوان الصامتة كاللون الرملي، الألوان الترابية والأزرق. ويجب هنا التذكير بأن الملابس التي صممها إيف سان لوران، قبل أن يكتشف المغرب، كانت سوداء في معظمها.

ولا يمكننا فهم وإدراك المسار الثري والزاخر للمبدع إيف سان لوران دون أن نأخذ بعين الاعتبار الصداقة التي جمعته بتامي التازي وفرناندو سانشيز، والتي دامت أكثر من 40 سنة. والملابس التي صممها ثلاثتهم، والتي غالبا ما كانت صدى لبعضها البعض، خير دليل على ذلك.

عرفت تامي التازي كيف تعيد ابتكار القفطان فأضفت عليه رشاقة ورونقا، فمنح المرأة طلاقة في الحركة دون إهمال محاسنها. كما اهتمت بنماذج التفصيل واهتمت أكثر بالطرز، فوسعت من مخزونه بالتلاعب بين قواعد اللباس تارة والتراوح بين الأشكال والألوان تارة أخرى. وفي هذا الصدد، جمعت تامي التازي مجموعة رائعة من الأقمشة المطرزة والأنسجة القديمة. وكانت تستخدم مجموعاتها هذه لتكوين رؤية أوسع للخياطة وإثراء الملابس التي تصممها، كما كانت تشاركها مع إيف سان لوران وفرناندو سانشيز اللذان عرفتهما بعالم الطرز فتقاسما معها شغفها له. ونظرا لصداقتها المتينة بإيف سان لوران، حيث كانت مديرة لدار أزيائه في المغرب، تمتعت تامي التازي بمعاملة تفضيلية في الحصول على الأقمشة المصنوعة من قبل أكبر دور صناعة الأنسجة في العالم حصريا لإيف سان لوران.

يفسر المعرض، عبر التقارب تارة والإحالة تارة أخرى، كيف أثرت العوالم البصرية المشتركة بين الأصدقاء الثلاثة، وكيف سعى كل واحد منهم بطريقته الخاصة على إعادة ابتكارها. إذ ترتكز أساليب تبني كل واحد منهم العالم البصري للآخر شأنه شأن تقاطع إبداعاتهم، على علاقة الارتباط/التشارك الجمالي التي جمعتهم في كل مرحلة من مراحل حياتهم الشخصية والمهنية طوال أكثر من 40 عاما. لذلك، يجب النظر إلى القطع المعروضة على ضوء الصداقة المتبادلة بينهم وعلى ضوء إعادة كل واحد منهم ابتكار ابداعات الآخر والتأثيرات الإبداعية التي جمعتهم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى