دار الدبغ “شوارة” بفاس.. معلمة حية شاهدة على حرفية الصانع التقليدي المغربي
تعد دار الدبغ “شوارة” بمدينة فاس، الواقعة على الضفة الشمالية لوادي الجواهر بالمدينة العتيقة لفاس، معلمة حية شاهدة على مهارة وحرفية أنامل الصانع التقليدي المغربي.
وتشكل هذه المعلمة، التي يعود تاريخ إحداثها إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وتمتد على مساحة إجمالية تناهز 10 آلاف و180 متر مربع، قاطرة متميزة لصناعة الجلد بجهة فاس – مكناس ومدينة فاس على وجه الخصوص، حيث تضطلع بدور هام في تزويد السوق الوطنية بالجلود من خلال إنتاج ما بين 3000 و 5000 من الجلود الجاهزة التي تستعمل في إنتاج منتجات جلدية متنوعة يتم تسويقها داخل وخارج أرض الوطن.
كما تعد هذه المدبغة، التي تشغل أزيد من 500 معلم وصانع دباغ وتعتبر واحدة من المدابغ ذائعة الصيت بالمدينة العتيقة لفاس (مدبغة سيدي موسى ومدبغة عين أزليتن، والمدبغة التقليدية عين النقبي)، قبلة سياحية متميزة حيث يزورها سنويا أزيد من 90 في المائة من السياح المتوافدين على العاصمة الروحية للمملكة.
ويتطلب العمل بالمدبغة، التي تضم 247 خزانة و1177 قصرية ومجيار، بالإضافة إلى القوة والصلابة، القيام بعمليات دقيقة لتنظيف الجلود وتليينها وتجفيفها وتلميعها بالزيت، ليتم بعدها استخدام الجلد الذي يتم نقله إلى ورشات حرف الجلد المخصصة لمعالجة الجلود، في صناعة منتجات متنوعة من بينها، على الخصوص، الحقائب والسروج والبلاغي والأحذية والج رب والمقاعد الجلدية المستديرة، وحاملات الخراطيش، والأغلفة جلدية.
وخلال هذه الورشات، يقف “ل معلم” حسب التقاليد المتوارثة وسط العمال والمتعلمين للعمل على توزيع المهام والأدوار بين مختلف العاملين، حيث تتم عملية تقطيع الجلد وصقله وخياطته بدقة متناهية وحنكة فائقة.
وتتم عملية الدباغة في أحواض مليئة بالمياه باستعمال مواد عديدة كالجير وزق الحمام والنخ الة، ومن خلال توظيف مجموعة من المواد النباتية كقشور الرمان ونكاوت ومسحوق الخشخاش، من أجل الحصول على اللون المطلوب، وإبداع منتجات متميزة تزاوج بين الأصالة والمعاصرة.
وبهدف المساهمة في إنتاج جلود تتسم بالجودة العالية وتتماشى مع المعايير الدولية، تم تنظيم تكوين لفائدة 18 من أبناء المعلمين الدباغة المشتغلين بدور الدبغ “شوارة” و”سيدي موسى” و”عين أزليتن”، في مجال الدباغة النباتية بمقر مركز الدعم التقني للدباغة التقليدية ب”شوارة”، وذلك من أصل 45 دباغ على مستوى الجهة و110 دباغ على المستوى الوطني.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أفاد المعلم الدباغ، عبد الحليم الفيزازي، الذي راكم أزيد من 53 سنة من الخبرة والتجربة بمدبغة “شوارة” بأن هذه المعلمة، بالرغم من قدمها، لازالت تحافظ جاذبيتها حيث تستقبل يوميا وفودا سياحية من مختلف دول العالم، وزوارا من مختلف مدن المملكة.
وأضاف السيد الفيزازي أن المدبغة حافظت على رونقها وجاذبيتها بفضل إعادة ترميمها وتهيئتها، تجسيدا للعناية السامية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمدابغ التقليدية بفاس، مشيرا في السياق ذاته إلى أن أهم ما يميز هذه المدبغة هو حرص الصناع العاملين بها على استعمال مواد أولية طبيعية تحافظ على البيئة وغير ملوثة.
من جانبها، عبرت السائحة الأسترالية سيفني هيدين، التي كانت تقوم بزيارة لمدبغة “شوارة” وعدد من المعالم التاريخية للمدينة العتيقة لفاس، عن إعجابها الشديد بحرفية الصناع التقليديين المغاربة في التعامل مع الجلود وتحويلها إلى مواد جلدية صالحة للاستعمال.
وأضافت أن زيارة هذه المعلمة مكنتها من الاطلاع عن كثب على مهارة الصناع التقليديين والحرفية العالية التي يتمتعون بها.
بدورها، أعربت الإطار التربوي أمينة الجابري التي كانت في زيارة للمدبغة إلى جانب عدد من التلميذات والتلاميذ عن إعجابها بالمهارة والحرفية التي يتمتع بها الصناع التقليديون المغاربة الذين يساهمون في إبداع منتجات تقليدية عالية الجودة.
وأكدت في السياق ذاته على أهمية برمجة خرجات لفائدة التلميذات والتلاميذ لتمكينهم من الاطلاع عن كثب على المدينة القديمة لفاس ومعالمها التاريخية ومساراتها السياحية.
يذكر أن قطاع الجلد، على مستوى مدينة فاس، يمثل ما يناهز 6ر29 في المائة من رقم المعاملات الإجمالي لقطاع الصناعة التقليدية بالمدينة البالغ 6,9 مليار درهم.
ويبلغ عدد المشتغلين بالقطاع نسبة 27,9 في المائة من مجموع الصناع التقليديين المشتغلين بقطاع الصناعة التقليدية الفنية الإنتاجية بمدينة فاس البالغ عددهم حوالي 79 ألف صانع تقليدي.
وتشغل دور الدبغ التقليدية بمدينة فاس أزيد من 800 معلم وصانع دباغ، أي بنسبة 45 في المائة من مجموع الصناع التقليديين الدباغة وطنيا.