الرئيسيةبالمؤنثثقافات وفنونمنوعات

فن “العيطة” إلهام شعبي ضاج

تنصب موضوعات غناء العيطة بين موضوعات العشق واللوعة والحسرة والفراق وتعب الرحيل والتغني بالجمال والطبيعة

تقديـــــــــــم:

فن “العيطة” في المغرب من الفنون الشعبية التراثية والأصيلة التي ارتبطت في كلماتها بملكة شعرية شعبية ثرية تستنجد بالسلف وتستنهض الهمم وتستحضر الغياب والفرقة واللوعة بفواصل موسيقية وإيقاعية ضاجة لا تستطيع معها الأجساد كتم الرغبة في الرقص .

                             

يراد بمفهوم “العيطة ” النداء، حيث تنادي “الشيخات”(و هن النساء المؤديات والراقصات في المجموعة الغنائية) استنجادا بههم القبائل والرجال في إشارة إلى حكاية شعبية قديمة بطلها أحد القواد الذين نصبهم الاستعمار الفرنسي لكبح جماح القبائل الثائرة آنذاك،  فقام باختطاف امرأة حرة وجميلة من أحد القبائل لتظل ترفضه وتتحداه إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة.

الباحثون في المغرب يصنفون فن العيطة إلى ثلاث أصناف رئيسية ظهرت أساسا على امتداد السهول الوسطى للساحل الأطلسي وبالأساس بالشاوية وعبدة ودكالة مرورا ببعض المناطق القريبة منها والمجاورة لها وهي أنماط رئيسية حددت في النمط المرساوي والنمط الحوزي والنمط الملالي، فيما تأتي أنماط أخرى تصنف كفروع وهي الحصباوي والجيلالي والساكن والورديغي

إلا أن الأبحاث الحديثة تقر بوجود فروع أخرى بالنظر إلى تعدد لهجات الغناء في المغرب وتنوعها ،مشيرة إلى أن المشترك الكبير في كل هذه الأصناف والفروع من غناء العيطة هو استقاء شيوخ ونظام العيطة مواضيعهم من الحياة الاجتماعية للإنسان المغربي والتي غالبا ماتكون عبارة عن قصائد العشق والمتعة والذم والتغني بالطبيعة والجمال

فيما لايعني الفرق في الإيقاعات الموسيقية إلا صنف العيطة الجبلية التي تمتح من إيقاعات أمازيغية وان كان دلك بدرجة أقل.

الشيخات

تتكون فرقة “”الشيخات” من الشيخ وهو لقب يطلق على عازف الكمان وثلاث مرافقين له الذين يشكلون الإيقاع على الدفوف (البنادر) والطعريجة (آلة إيقاعية صغيرة الحجم له صوت رنان) ثم أربعة “شيخات” على أن تكون بينهن “العياطة” التي تؤدي مقاطع العيطة  بصوتها الجهوري المتميز فيما باقي الشيخات يرددن بعضها ويتمايلن أو يرقصن على الإيقاع الراقص عند كل قفلة (القفلة في العرف هي الفواصل )

وتنصب موضوعات غناء العيطة على موضوعات مختلفة تعكس إلهاما شعبيا ثريا لدى شيوخ وشيخات العيطة حيث تتنوع بين موضوعات العشق واللوعة والحسرة والفراق وتعب الرحيل والتغني بالجمال والطبيعة، وحيث تفننت العيطة كثيرا في ترجمة طبيعة وأنماط الحياة الاجتماعية لمناطق وجهات وتجمعات سكنية من المغرب ماجعل من هذا الفن الشعبي الأكثر انتشارا وأحد المكونات الأساسية للتراث الموسيقي المغربي الذي يعد دليلا حقيقا على هوية ثقافية وفنية وحدت المملكة بواديها وحواضرها سهولها وجبالها ولمئات السنين

وفي صمود هدا الفن حتى الآن والدي لاتزال “عيوطه” وبرواله تصدح في كل المناسبات والفضاءات بمباركة الزغاريد وطلقات البارود ما يعكس حقيقته كفن أصيل.

“خربوشة”

 “خربوشة” من أشهر أغاني فن العيطة ،وهي الأغنية “الحكاية” التي تعد من كبريات القصص الشعبي التي تحظى بإقبال شعبي كبير وتتفنن فرق “العيطة” في أدائها بأسلوب شيق ومتسلسل يسرد قصة امرأة حقيقة تحولت إلى أسطورة، وكانت عنوانا للتحدي بمواقفها القوية الرافضة للظلم ومقاومتها لبطش وطغيان القائد عيسى بن عمر الذي سباها فخلدته في “عيوطها” بعد موتها بأقبح الصفات

سير أعيسى بن عمر

أوكال الجيفة

أقتال خوتو

أمحلل الحرام

سير عمر الظالم

مايروح سالم

وعمر العلفة

ماتزيد بلا علام

وراحلفت الجمعة مع الثلاثاء

ياعويسة فيك لابقات

وهي كلمات شعبية دالة تعكس خيانة هذا القائد وتصفه بقاتل إخوته وتتوعده بالاتي بكلمات تتفجر غضبا ،وبنظم محموم وقول فتاك ،وكانت آخر كلمة تلفظت بها “خربوشة” قبل رحيلها قولها لحارسها في السجن (قل لقائدك الحب بزاف عليك) أي مامعناه أنها تستكثر على هذا القائد الذي سباها الحب ومعنى الحب .

الحاجة للصيانة والتدوين

اليوم وكباقي الفنون الأصيلة يعرف هذا الفن بعض التشويه والتمييع خاصة مع تناقص عدد الحفاظ والحافظات “للعيوط” ، حيث تتسع رقعة المساس بالقيمة الفنية للعيطة كما يردد عشاق هدا اللون الموسيقي والغنائي

فبدعوى التجديد والتحديث يتم تشويه أصول وتواثب فن العيطة وهو الأمر الذي يعكسه الدكتور حسن نجمي المهتم والباحث بفن العيطة موضحا أن هناك خلط كثير في غناء العيطة عندما يتم تشويهه من بعض الأفراد الجدد الذين لا يستوعبون المغزى فيغيرون في المخزون الشعري لغناء العيطة مشددا على أن العيطة في حاجة ماسة إلى تدخل الدولة لصيانتها وتدوينها وإعادة الاعتبار لشيوخها وشيخاتها اجتماعيا وماديا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى