الوقوف أمام مسرح “سرفانتيس” بمدينة طنجة المغربية يعني أنك تقف أمام صرح ثقافي وفني أسس لحركية ثقافية جمعت شعوب العالم على مدار عشرات السنوات …مسرح “سرفانتيس” بحاله المتهالك والإهمال والجحود الذي أصابه لم يفقد رونقه وملامحه وظل صامدا وكأنه بذلك يؤرق الجاحدين الذين أداروا ظهورهم لفضاء استثنائي ميز تاريخ هذه المدينة التي توصف بالمدينة الدولية المطلة على البحر الأبيض المتوسط والتي لا تبعد إلا كيلومترات قليلة عن القارة الأوروبية .
يتكبها كل أسبوع :المسافر
“مسرح سرفانتيس الكبير ” هو في الأصل تحفة معمارية فنية اسبانية بناها الأسبان قبل أكثر من مائة سنة إبان استعمارهم لمدينة طنجة في الشمال المغربي وتم افتتاحه بالضبط في العام 1913 بعد أن تم وضع حجر تأسيسه في العام 1911 من طرف مالكه آنذاك للاسباني مانويل غاليغو الذي اسند مهمة بناءه للمهندس الشهير في زمانه اسبيرانازا أو رينا حيث رعيت في بناءه كل المعايير المهنية والاحترافية التي يجب أن تتوفر في مسرح كبير اتسع ل 1400 مقعد واختير له موقعا حيويا واستراتيجيا وسط مدينة تحولت إلى منطقة دولية بعد الاتفاق الشهير الذي وقع بين فرنسا واسبانيا وبريطانيا بموجبه تتحول هذه المدينة المطلة على أوروبا إلى منطقة دولية ..وقد راهن الأسبان آنذاك على بناء مسرح كبير يعد الأكبر في المنطقة ويلتف حوله نجوم الفن في عصرهم من خلال تقديم أمهات الأعمال المسرحية الكبير في أوروبا وبريطانيا وهو ما تأتى لهذه المعلمة الفريدة حيث عاشت هذه البنية البديعة والفخمة عصورا ذهبية حرصت أسماء فنية شهيرة على تقديم أعمالها على خشبته المجهزة بأحدث التقنيات من أمثال المغنية الشهيرة “ألادين بالتي” والممثل الكبير الاسباني “أنطونيو كاريسو” ونجوم مسرحية “عطيل” البريطانية الذين قدموا هذا العرض الشهير لأكثر من سنة ثم فرق الاسبانية الشهيرة بموسيقى الفلامنكو ناهيك عن عدد من أعلام الموسيقى الاندلسية والعربية الذين أثروا المكان بأمسيات مميزة .
فخامة مهملة
لن تقطع أكثر من نصف ميل وأنت تغادر ميناء مدينة طنجة القديم في اتجاه وسط المدينة حتى تبدو لك المعلمة المهيبة ” مسرح سرفانتيس” بطلعته الباذخة رغم النسيان الذي طاله ، وقد لا تحتاج إلى دليل أو مرشد سياحي لتعلم أنك أمام “سرفانطيس” كما يسميه الطنجاويين موسوما بالزليج الاصفر والأزرق على الواجهة ، محروسا من أعلى بالتماثيل التي طالما زينت مدخله وبهرت العباد .. إبهار قد يتضاعف وأنت تعبر الممر المؤدي على الصالة الكبرى أو القاعة الكبرى التي حافظت كثيرا على هندستها البديعة رغم الإهمال الذي أصاب كل جنابتها حيث ضل المسرح مهملا لسنوات طويلة ، فقد جهزت صالة العرض بشكل عال الاحترافية مكن هذه الصالة من التوفر على تجهيزات وتقنيات حديثة إبان تلك الحقبة من بينها تقنية تحريك مقاعد الجمهور بشكل دائري أثناء العروض ما يسمح المجال لتقديم العروض الراقصة بالأساس وهي تقنية قل أن تتوفر للمسارح الحديثة فما بالك بمسرح بني منذ أكثر من 100 عام استوردت غالبية مواد بناءه وزخرفته من اسبانيا كما جاء في كتاب “نشأة المسرح والرياضة في المغرب” للكاتب عبد القادر السحيمي الذي أرجع الزخرفة التي على قبة صالة العرض للفنان الاسباني “فريدريك ريبيرا” .
وضع كارثي يوجد عليه اليوم مسرح “سرفانتيس” متحولا من معلمة فنية رائدة إلى بناية عبارة عن حطام يتجسد أساسا في مرافقه المتآكلة والمهدمة ورسوماته ونقوشها التي فقدت الكثير من رونقها وسيكون من المؤسف أن تتأمل حال قاعة العروض بمقاعدها المهترءة التي يعلوها الغبار ومستوى تردي أبواب ومدارج البناية وأبوابها والقاعة الشرفية وقاعات الفنانين والنجوم الكثر الذين شهدوا على زمن فني باذخ سكن هنا ومر من هذا المكان الذي تحول إلى حطام .
بكاء على الأطلال
حالة مسرح “سرفانتيس” تذمي القلب يقول كاتب وإعلامي من أبناء مدينة طنجة ، وشخصيا يضيف أحس بالألم يعتصر قلبي كلما مررت من قرب هذا المسرح الذي يتحمل مجلس مدينة طنجة المسؤولية الأولى في المستوى الكارثي الذي وصل إليه ، المسؤولية نفسها يحملها مندوب وزارة الثقافة السابق في مدينة طنجة للدولة المغربية التي تخلت عن هذا المسرح مباشرة بعد حصول المملكة المغربية على استقلالها وخروج المستعمر الاسباني من المدينة ، فقد توقف المسرح يقول عن عروضه المسرحية والفنية وتم إغفال دوره كفضاء يجمع المثقفين والفنانين ومن يتم يضيف تم إغفال صيانته الشئ الذي عجل بانهيار قطعه الفنية وسقوط بعض أجزاءه تباعا .
الحكومة المغربية لا يمكنها ترميم المسرح كما لا يمكنها هدمه ببساطة لأنه كبناية يوجد في ملكية الغير أي ملكية الحكومة الاسبانية ..ذلك ما يوضحه مسؤول في مندوبية وزارة الثقافة بمدينة طنجة مؤكدا أن خبر تنازل الحكومة الاسبانية عن مسرح “سرفانتيس” لصالح المغرب خبر غير مؤكد لحد الساعة وحتى إن تأكد فان عملية ترميم هذه المعلمة الفنية البديعة ستكون مكلفة يقول الزبير بن بوشتى حيث تقدر ميزانية ذلك بحوالي 3 إلى 5 ملايين يورو ناهيك عن ميزانية المعدات والتقنية والإدارة المسيرة يقول المسؤول في مندوبية وزارة الثقافة .