الرئيسيةالسياسةبالمؤنث

نسائيات الملك : إعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والنسوية بالمغرب

نشر المعهد المغربي لتحليل السياسات مقالا مطولا للباحث والكاتب في القضايا النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية للعلماء الياس بوزغاية بعنوان /نسائيات الملك: إعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والنسوية بالمغرب/ 

واعتبر بوزغاية أن  المؤسسة الملكية برهنت  أنها قادرة على ضبط توازن التيارات النسائية بمختلف أيديولوجياتها عبر إنتاج خليط بين “نسوية الدولةّ” وتيار “الطريق الثالث”.

 

نص المقال

 

عرف مسار الحركة النسائية بالمغرب محطات مهمة في تاريخها، طبعها التأقلم والتعايش مع المتغيرات السياسية والاجتماعية. ولعبت المؤسسة الملكية دورا محوريا في توجيه التحولات التي عرفتها هذه الحركة مما جعلها مستوعبة ومهيمنة على المشهد النسائي المغربي. تعتمد هذه الورقة على قراءة لتاريخ تطور التنظيمات النسائية بالمغرب بارتباط مع أهم التفاعلات التي حكمت علاقتها مع الدولة، منذ إقرار مدونة الأحوال الشخصية سنة 1957 إلى وقتنا الحاضر (2021)، حيث ظهرت معالم “طريق ثالث” يتسم بتراجع التقاطب الإيديولوجي مقابل هيمنة التوجه الرسمي في تشكيل صورة حقوق المرأة بالمغرب. تجادل الورقة بأن الفاعل الرسمي قد انتبه في وقت مبكر إلى أهمية الحراك النسائي واعتمد على استراتيجيات وأساليب الاحتواء من أجل رسم مشهد حقوقي واجتماعي جديد يمكن اعتباره خليطا بين “نسوية الدولة” و”الطريق الثالث”.

 

1- الحركة النسائية بالمغرب: مسار من التطور والتنوع

ترجع جذور العمل المنظم للحركة النسائية بالمغرب إلى أربعينات القرن الماضي، وقد حصل نوع من الاتفاق بين المؤرخين على تقسيم مسار النضال النسائي بالمغرب إلى 3 مراحل:

– فترة 1940 – 1970: حيث تميزت بتبعية معظم الجمعيات النسائية للأحزاب الوطنية ومحاولتها الجمع بين النضال ضد الاستعمار ودعم النساء في وضعية صعبة من خلال تقديم المساعدة الاجتماعية ودعم تعليم النساء (جمعية أخوات الصفاء أنموذجا).

– فترة 1970 – 1990: تميزت هذه الفترة باستمرار ارتباط معظم الجمعيات النسائية بأجندات الأحزاب السياسية، خاصة التيار اليساري الذي واكب التحولات العالمية بخصوص ارتفاع منسوب الاهتمام بالقضية النسائية مما شجع على إثارة مطالب نسائية متقدمة، وقد تزامن ذلك مع مرحلة بناء مؤسسات الدولة بعد حصول المغرب على استقلاله.

– فترة 1990 إلى اليوم: ساهم العامل السابق في بداية تكاثر الجمعيات النسائية خلال فترة التسعينات، حيث نجد أن 55.2% من الجمعيات تم تأسيسها خلال فترة الثمانينات وبداية التسعينات، كما عرفت هذه الفترة تراجعا في الارتباط الوثيق بين الأحزاب وفروعها النسائية من الناحية التنظيمية. وقد يكون أهم ما ميز هذه الفترة هو ظهور الصحوة الإسلامية وما تبعها من انقسام وتباين في الجسم النسائي بالمغرب.[1]

يشكل هذا المسار التاريخي لتطور الحركة النسائية بالمغرب أساسا للاعتراف بأن مفهوم “الحركة النسائية المغربية” عام وفضفاض يتفق فقط على هدف دعم المرأة وحقوقها، لكنه يحيل على طيف واسع من التيارات والتوجهات والأساليب المختلفة لتحقيق نفس الهدف.

يتكون الجسم النسائي المغربي عموما من كيانات تختلف طبيعتها حسب طبيعة العمل الذي تقوم به والتوجه الذي تتبناه، فهناك كيانات نسائية لها طابع حقوقي تعمل داخل جمعيات، وهناك كيانات تركز على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى نوع آخر يهتم بالجانب التنظيري والأكاديمي. ورغم التنوع في طبيعة الكيانات النسائية من حيث العمل والاختصاصات، إلا أن تصنيفها حسب توجهاتها الفكرية والإيديلوجية غالبا ما يوضع في إطار ثلاث تيارات:

أولا: التيار العلماني

من المهم الانتباه إلى أن هناك من الباحثين من يميز داخل هذا التيار بين التوجه الإشتراكي والتوجه الليبرالي[2]. لكن على سبيل الدقة واعتبارا للمستجدات الحاصلة، فإن التيار اليساري لم يعد يُظهر اهتماماته الماركسية اللينينية في نضالاته وخطاباته المعاصرة. بهذا الصدد، تقول الأستاذة والباحثة في تاريخ الحركات النسائية المغربية، لطيفة البوحسيني، إن الاتجاه الماركسي اللينيني الراديكالي للأحزاب اليسارية خفت بريقه بعد سقوط جدار برلين وأصبحت معظم النسائيات ملزمات بإعادة التفكير في مرجعيتهن، مما أدى إلى بروز مسارات متعددة لفهم الاشتراكية في السياق المغربي. وقد نُشرت جميع نقاشات وحجج الكاتبات النسويات اليساريات في مجلة “8 مارس” التي تؤرخ لتطور وتذبذبات الخطاب النسوي اليساري. تؤكد لطيفة البوحسيني على أن المناخ السياسي العام دوليا ووطنيا أصبح يميل إلى المعسكر الغربي خاصة بعد تزايد المؤتمرات الدولية التي دعيت إليها النسويات المغربيات مما أدى إلى الانفتاح التدريجي على الاتفاقيات الدولية لحقوق المرأة باعتبارها الأساس المرجعي الجديد، رغم قولها “لكن لا يمكنني القول إن هذا يمثل بديلاً للتوجه اليساري”.[3]

يشمل التيار النسائي العلماني جميع الجهود التي تستمد مرجعيتها وأدبياتها من مضامين مواثيق حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التي تتبناها الأمم المتحدة، وأبرز هذه المواثيق المتعلقة بحقوق المرأة “اتفاقية سيداو”، التي صادق عليها المغرب سنة 1993. من بين الاتحادات والجمعيات التي تمثل هذا التيار: الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب التي تأسست سنة 1985، اتحاد العمل النسائي الذي تأسس سنة 1987، الاتحاد التقدمي النسائي المنضوي تحت الاتحاد المغربي للشغل، فدرالية رابطة حقوق النساء التي كانت تسمى سابقا” الفدرالية الديمقراطية لحقوق المرأة “وتم إنشاؤها سنة 1993، ومن ضمن الشبكات والتحالفات التي تم إنشاؤها: تحالف ربيع الكرامة، شبكة أناروز لمراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف، شبكة صوت المناصفة، شبكة مشعل، تحالف إصرار للتمكين والمساواة. وكلها تحالفات برزت كتكتلات نسائية للترافع أو الدفاع عن قضايا معينة في سياقات مختلفة.

ثانيا: التيار الإسلامي

يدخل ضمن هذا التيار كافة الفاعلين الإسلاميين في المغرب، بما في ذلك الأحزاب والحركات والجمعيات والمؤسسات والشخصيات التي تنطلق من المرجعية الإسلامية في مطالبها النسائية. ويدخل ضمن الممثلين لهذا التيار الجمعيات المنضوية تحت حزب العدالة والتمنية، وحركة التوحيد والإصلاح، وجماعة العدل والإحسان، وحزب النهضة والفضيلة وحزب البديل الحضاري والاتجاه السلفي.

وإذا كانت حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية يشكلان المحضن الرئيسي لمعظم التنظيمات النسائية الإسلامية، فإن ذلك يرجع بالأساس إلى الحركية التي أظهرها هذين الفاعلين منذ التسعينات للانخراط في الشأن السياسي مقارنة بباقي التنظيمات الإسلامية. وبذلك، تم إنشاء أول منظمة نسائية إسلامية تحت اسم “منظمة تجديد الوعي النسائي” سنة 1995 وتشكلت من عدد من الفاعلات في حزب العدالة والتنمية ومن ضمنهن بسيمة حقاوي التي ترأست المنظمة آنذاك. ورأت النور منظمة نسائية إسلامية أخرى بعد ما يقرب من 10 سنوات، حيث تأسس منتدى الزهراء للمرأة المغربية سنة 2002 بمبادرة من عدد من النساء الناشطات في نفس التنظيم السياسي. يضم منتدى الزهراء شبكة من الجمعيات من مختلف أنحاء المغرب تتشارك في أهدافها ومرجعيتها. وفي سنة 2011، تعزز حضور حزب العدالة والتنمية في المشهد النسائي من خلال تأسيس منظمة “نساء العدالة والتنمية”.

وقد احتضنت جماعة العدل والإحسان بدورها فرعًا نسائيًا تزعمته لمدة طويلة نادية ياسين، ابنة الشيخ عبد السلام ياسين، مؤسس الجماعة وصاحب كتاب “تنوير المؤمنات”، الذي يعتبر مؤطرا لأعضاء الجماعة في موضوع المرأة والإسلام. وقد شاركت الجماعة وفرعها النسائي في أحداث مهمة للدفاع عن الهوية الدينية في قضايا المرأة. من جهة أخرى، يعتبر حزب النهضة والفضيلة، المنشق عن حزب العدالة والتنمية سنة 2005، وحزب البديل الحضاري، الذي تم حله سنة 2008، وبعض الشخصيات السلفية والدينية المعروفة بالمغرب، أحد أوجه التيار الإسلامي التي لا تحظى بمكانة مهمة في المشهد السياسي لكنها تساهم أحيانا ببعض المواقف ذات التوجه المحافظ حول قضايا المرأة.

جدير بالذكر أن المتتبع لأدبيات ومواقف التيار النسائي الإسلامي سيلاحظ حجم التباين في مواقف المنتسبين لنفس التيار، وهو ما أوضحته الباحثة مريم يافوت في أطروحتها حول النسائيات الإسلاميات في المغرب[4]. فبينما يتسم التوجه السلفي بالتشدد في قضايا المرأة عموما، وبينما يحاول التوجه الحزبي النسائي ملائمة مواقفه مع ما تشهده الساحة السياسية من تحولات، يظهر توجه إسلامي ثالث يحاول ربط الجسور ورأب الفجوة بين المرجعية الإسلامية و”الكونية”.

ثالثا: التيار التوفيقي

يطلق عليه أيضا “اتجاه الطريق الثالث”، ويجد هذا التيار صداه أساسا من خلال المؤلفات الأكاديمية التي تحاول الحفاظ على مسافة الحياد من كل التيارات السياسية والإيديولوجية السائدة. ورغم أنه سيتم التركيز عليه في المحور القادم في علاقته بالدولة المغربية، إلا أنه يمكن الاكتفاء بتسجيل ملاحظتين: الأولى تتعلق بالسياق التاريخي لهذا المفهوم، فرغم انتماءه في الأصل إلى المجال السياسي والاقتصادي بما يفيد التوفيق بين التطرف الاشتراكي والتطرف الرأسمالي في نهاية القرن العشرين، إلا أنه تم تبنيه واعتماده في المجال النسائي أول مرة من طرف الباحثة المغربية أسماء المرابط كمفهوم يحيل على التوفيق بين التطرف النسائي الإسلامي والتطرف النسائي العلماني من خلال التأصيل لعدم التعارض بين القيم الإسلامية والقيم “الكونية” لحقوق الإنسان عبر إعادة قراءة النصوص الدينية منوجهة نظر نسائية.[5] وقد امتد هذا الفكر ليجد صداه بعد ذلك في كثير من دول العالم.

الملاحظة الثانية تتعلق بآليات عمل هذا التوجه، فبينما يعتمد معظم الإسلاميين على العمل في إطار المجتمع المدني والمرافعة والضغط السياسي ضد كل ما يمس الهوية الإسلامية، غالبا ما يتخذ اتجاه “الطريق الثالث” من المنابر الفكرية والأكاديمية منصة لإيصال أفكاره التي عادة ما تعتمد على التأصيل والتفصيل مع معالجة القضايا النسائية من منطلق إسلامي دون إغفال أبعاد ومقاربات أخرى. وقد برز هذا التوجه خاصة بعد انجلاء غبار المعارك النسائية التي شهدت شدا وجذبا بين الإسلاميين والعلمانيين ابتداء من سنة 2005.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى