مقالات الرأي

المشهد الإعلامي المغربي بين المطرقة والسندان

ليس المطلوب من الصحافة أن تدخل في مواجهة مع السلطة، ولكن أن تستعيد دورها كـ"سلطة مضادة" متوازنة، تحترم نفسها قبل أن تطالب الآخرين باحترامها

 

بقلم : إسماعيل بوقاسم

في هذا المغرب، بلد السرعتين، لا أحد يُنكر أن السلطة السياسية تتحرك بسرعة ضوئية، على أكثر من واجهة لضمان استمرار هيبتها وسلطانها.. سلطة تستنفر أجهزتها، تعبئ مواردها، وتنسّق بين مؤسساتها لفرض “هيبة الدولة”، سواء من خلال المقاربة الأمنية، أو عبر خطاب التنمية، أو حتى من خلال ضبط الفضاء الرقمي. لكن، في ظل هذا الحضور القوي لمفهوم “الهيبة”، يرتفع سؤال مشروع وبإلحاح، أين هي هيبة الصحافة..؟ وأي دور ما تزالت تلعبه كسلطة رابعة..؟
يبدو أن الصحافة في هذا الوطن، أو على الأقل شريحة واسعة منها، قد تخلّت طواعية عن مواقعها الأولى، ولم يعد يلهمها الحديث عن مساءلة حقيقية للسلطة، ولا عن تعرية ملفات الفساد الكبرى، ولا عن رقابة شعبية نزيهة، بل أصبح حالها يعج بمنصات تلهث وراء “الطوندونس”، تنبش وتنهش في أعراض الناس، وتغرف من مستنقع الإثارة والفضائح، في مشهد أشبه ما يكون بخيانة لدور الصحافة الحقيقي بما يجعلها عين المجتمع وضميره الحي.
ظهور الصحافة الإلكترونية، لم يكن شرًّا كله، لكنه أيضًا لم يكن نعمةً خالصة، فقد ساهم، من حيث يدري أو لا يدري، في تفكيك الحدود بين الإعلام الجاد والإعلام الشعبوي.
فجأة، صار كل من يحمل هاتفًا ذكيًا “صحفيًا”، وكل من يملك متابعين، له الحق في الخوض في الأعراض ونشر صور الضحايا والحديث عن “السبق الصحفي”، ولو على حساب الكرامة الإنسانية، هذه الممارسات لا تضرب فقط مصداقية الصحافة، بل تُهدد المجتمع نفسه، لأنها تفرغ الصحافة من دورها التنويري وتحولها إلى أداة تشويش وتشويه.
بالرجوع إلى أجهزة الدولة، فإن السلطة الحقيقية لا تخشى الصحافة، بل تحتاجها، تحتاج إلى إعلام قوي يراقب أداءها، يُسلّط الضوء على الاختلالات، ويمنح صوتًا لمن لا صوت لهم، لأنها تدرك أكثر من غيرها بأن صحافة قوية ومستقلة هي أحد أهم أعمدة أي ديمقراطية حقيقية، وليست مجرد وسيلة لملء الفراغ بين الإعلانات والفضائح.
ليس المطلوب من الصحافة أن تدخل في مواجهة مع السلطة، ولكن أن تستعيد دورها كـ”سلطة مضادة” متوازنة، تحترم نفسها قبل أن تطالب الآخرين باحترامها، لقد آن الأوان لوقفة مهنية وأخلاقية، يُعاد فيها الاعتبار للصحفي كصاحب رسالة، وليس كصائد فضائح أو بائع مشاهدات.
فإن كانت الدولة تسعى بكل حزم للحفاظ على هيبتها، فإن الصحافة الحقة أولى بالسعي لحماية هيبتها هي الأخرى… لأنها إن انهارت، انهار معها صوت المواطن، وغاب العقل النقدي، وساد التزييف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى