الرئيسيةمقالات الرأي

زراعة الكيف بين الرؤية الملكية والتعثر الإداري: من يفرمل قطار التنمية؟

مولاي أحمد الدريدي خبير في سياسات المخدرات والتنمية المستدامة

قال جلالة الملك محمد السادس، في خطاب عيد العرش لهذه السنة، إن المناسبة تشكل فرصة للوقوف على أحوال الأمة، “ما حققناه من مكاسب، وما ينتظرنا من مشاريع وتحديات، والتوجه نحو المستقبل بكل ثقة وتفاؤل.”

وأكد جلالته بوضوح:

“لن أكون راضياً مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم بشكل ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات.”

وانطلاقًا من هذا المنطق في التقييم الصريح، أجد من الواجب التوقف عند ورش استراتيجي أطلقه جلالة الملك ويستحق التنويه: ملف زراعة الكيف بالمناطق الريفية الشمالية.

فمن خلال عملي الميداني وخبرتي في هذا المجال، أؤكد أن المؤسسة الملكية قامت بمجهودات جبارة لإخراج هذا الملف من دائرة الطابوهات والوصم، الذي ظل يلاحق ساكنة الريف لعقود بسبب ارتباط المنطقة بزراعة الكيف واقتصادها غير المهيكل.

وبفضل الرؤية الملكية الاستباقية، أصبح لدينا اليوم إطار قانوني مشرعن يضبط الاستعمال المشروع للقنب الهندي في الصناعات الصيدلية، التجميلية، ومجالات أخرى للتنمية المستدامة. كما أن جلالته بادر، بمناسبة 20 غشت 2024، إلى إصدار عفو ملكي عن عدد من المزارعين المتابعين في قضايا مرتبطة بزراعة الكيف، في خطوة إنسانية وتنموية بالغة الرمزية.

ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على إطلاق هذا الورش الطموح، فإننا للأسف لا نزال بعيدين عن تحقيق أهدافه الأساسية، بل إن بعض مظاهر التعثر تثير القلق. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا تأخر هذا الورش في إحداث الأثر المنتظر؟

الحاجة إلى تقويم صريح وبدون لغة خشب

من موقع التقييم الواقعي، فإن ورش “تقييم السياسات التنموية”، الذي دعا إليه الملك، يجب أن ينكب على هذا الملف الحساس الذي يهم منطقة عانت من تهميش مزمن، ربما ممنهج في فترات سابقة.

كما لا يمكن إغفال أن عدداً من تجار المخدرات ظلوا لسنوات يعيثون فسادًا في المسارات الديمقراطية والانتخابية، ليس فقط في الشمال، بل في مناطق عدة من البلاد. وهؤلاء التجار، في المغرب كما في باقي دول العالم، يعادون أي سياسة عمومية أو دولية تنبني على ثلاثية: الصحة، حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة.

وهذا ما أكدته لجنة دولية مرموقة، هي “اللجنة العالمية لسياسات المخدرات” (Global Commission on Drug Policy) التي ضمّت أسماء وازنة كالأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، والتي خلصت في تقرير شهير إلى أن ما يسمى بـ “الحرب على المخدرات قد فشلت”. ودعت، عوضًا عن ذلك، إلى اعتماد مقاربة تضع الإنسان وكرامته في صلب السياسات العمومية.

الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي: أداء باهت وانتقادات متزايدة

رغم الجهود الملكية الكبيرة، فإن واقع الحال اليوم يُظهر أن الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، ومعها مسؤولها الأول، في مرمى انتقادات شديدة من مختلف الفاعلين: المستثمرين، الصناعيين، والأهم من ذلك الفلاحين والتعاونيات الذين يحظون بعطف ودعم خاص من الملك محمد السادس.

فخلال اجتماع مجلس إدارة الوكالة المنعقد في دجنبر 2024، جاء التقرير المعروض هزيلاً مقارنة بالانتظارات، كما أن برنامج سنة 2025 جاء متأخرًا وبلا رؤية واضحة، رغم أننا تجاوزنا منتصف السنة.

أما شكاوى الفلاحين فتُرفع علنًا، فيما تُعبر بعض الصناعات الصيدلية عن امتعاضها في الكواليس والصالونات، دون أن تجرؤ على المجاهرة، في مشهد يعكس حجم الاختلال.

لا يمكن إصلاح بمنطق أمني صرف

إن البداية الجادة لأي إصلاح يجب أن تكون بقول الحقيقة، دون مجاملة ولا لغة خشب. والحقيقة أن تعيين مسؤول من وزارة الداخلية على رأس الوكالة لم يكن موفقًا، لأسباب متعددة:

  • الإرث التاريخي للوزارة في هذا الملف المرتبط بالمقاربة الأمنية الصرفة.
  • العقيدة الأمنية التي أثبتت فشلها عالميًا، والتي لا يمكن أن تكون أساسًا لورش تنموي وإنساني بهذا الحجم.
  • حتى المكتب الاستشاري المعتمد من طرف الوكالة اليوم، لا يخرج عن عباءة المقاربة نفسها، ويستند على خبرات أجنبية لا تفهم تعقيدات الواقع المغربي، بل أحيانًا على تقارير كتبت حين كان المعني موظفًا في ذات المنطقة التي يُفترض أن يحررها من الفقر والتبعية.

من أجل انفراج حقيقي: مقاربة تشاركية وندوة وطنية

لا بد من إعادة النظر في بنية الوكالة وتشكيلها، مع ضرورة إشراك كفاءات وطنية مستقلة من خارج وزارة الداخلية، دون إقصائها بالطبع، ولكن مع تحجيم دورها لضمان التوازن ومحاربة النفوذ غير المشروع.

كما يجب مراجعة معايير تحديد نسب “THC” و”CBD” في نبتة الكيف البلدية، وهذا ملف تقني بحت، يوجد فيه مغاربة خبراء على أعلى مستوى، سواء داخل الجامعات المغربية أو في مراكز بحث أوروبية مرموقة.

وأختم بدعوة وطنية صريحة:

لنعقد مناظرة وطنية جامعة حول هذا الورش، تجمع كل الفاعلين: فلاحين وتعاونيات، صناعات دوائية وتجميلية، خبراء، ممثلي المجتمع المدني، ومؤسسات الدولة.

فهذا الملف، إن أُنجز على النحو السليم، يمكن أن يشكل نموذجًا مغربيًا متقدما في التنمية والعدالة الترابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى