
محمد الطالبي
يتزامن الثامن من مارس مع ذكرى ميلاد المناضل التقدمي والديمقراطي الحقوقي عبد الرحمان اليوسفي، أحد أبرز قادة النضال في المغرب.
على مدار مسيرته الطويلة، شكل اليوسفي جسرًا بين جيل التحرير وجيل البناء الديمقراطي في البلاد، مؤكدًا على أهمية النضال المستمر من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية.
يصادف هذا اليوم أيضًا احتفال نساء العالم بيومهن العالمي للمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والمساواة، مما يضيف بُعدًا للتأكيد على ضرورة العدالة الاجتماعية في سياق التحرر، سواء على مستوى حقوق المرأة أو حقوق الإنسان عامةً.
لقد علمنا اليوسفي أن الزهد في السلطة والمال لا يعني التخلي عن المسؤولية، بل يعني التفاني في خدمة الوطن دون انتظار مقابل، مهما تغيرت الظروف
لم يكن عبد الرحمان اليوسفي مجرد زعيم سياسي، بل كان رمزًا للنضال من أجل الحرية والعدالة. فقد تمكن، من خلال نشاطه السياسي والنضالي، من بناء علاقات وثيقة مع مختلف الحركات المدافعة عن حقوق الإنسان، بما في ذلك تلك التي تركز على قضايا المرأة والمساواة.
وقد شكلت حكومته التي ترأسها في نهاية التسعينات مرحلة انتقالية هامة في تاريخ المغرب، إذ بادر إلى مصالحة الدولة مع المعارضة وضمان الحقوق السياسية والاجتماعية للمواطنين.
إن الثامن من مارس، الذي يصادف ذكرى ميلاده، يشكل فرصة لتقدير الدور الريادي لهذا المناضل في التحولات الكبرى التي شهدها المغرب، وللاحتفال بمسيرته التي كانت مليئة بالتحديات ومهدت الطريق لمرحلة جديدة من الإصلاحات الديمقراطية.
وفي هذا السياق، يُعد يوم 8 مارس مناسبة لتجديد الالتزام بحقوق الإنسان والحريات، ولتكريس العدالة والمساواة بين الجنسين، مستلهمين من إرث هذا الرجل الذي كرس حياته للنضال من أجل المساواة والعدالة السياسية والاجتماعية.
إن إرث عبد الرحمان اليوسفي ليس سياسيًا فحسب، بل إنسانيًا أيضًا؛ فقد ظل مدافعًا عن الحقوق الأساسية للإنسان، متبنيًا القيم الديمقراطية التي تجسد تطلعات الشعوب نحو الحرية والمساواة.
ولم يكن اليوسفي مجرد قائد حزبي، رغم وفائه المستمر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يُعد جزءًا أصيلًا من حركة التحرير الوطني. كان اليوسفي رمزًا للتحرر الوطني والنضال من أجل العدالة الاجتماعية، ورفع لواء الديمقراطية والتحرير والاشتراكية في مرحلة عصيبة من التحديات السياسية والاقتصادية.
لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان نموذجًا للقيم الإنسانية والسياسية الرفيعة التي لا تموت
في النهاية، حمل عبد الرحمان اليوسفي أكثر من مجرد برنامج سياسي؛ لقد حمل قضية إنسانية كبرى تتمثل في الكرامة الإنسانية التي لا تتراجع، بل تستمر وتنتقل من جيل إلى جيل حتى في أحلك الظروف. رحم الله عبد الرحمان اليوسفي، الذي عشنا معه عن قرب وتعلمنا منه الكثير، وتعرفنا على قيمه النبيلة قبل وبعد رحيله.
لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان نموذجًا للقيم الإنسانية والسياسية الرفيعة التي لا تموت؛ فقد جسد المنهجية الديمقراطية في ممارسته السياسية، وعكس مفهوم السياسة الذي يقوم على النبل والطهر، معلّمًا إيانا أن السياسة ليست مجرد صراع من أجل النفوذ، بل هي مسار طويل من البناء والإصلاح يتطلب التضحيات والنزاهة.
غادر عبد الرحمان اليوسفي ميدان السياسة بشكل رسمي، لكنه ظل حاضرًا بقوة في وجدان الشعب المغربي، إذ بقيت المنهجية الديمقراطية التي كان ينتهجها مرجعية أساسية لكل من يسعى إلى إصلاح حقيقي في هذا البلد.
كانت سياسته قائمة على العدل والمساواة وترتكز على التفاعل الإيجابي مع الشعب، مما جعلها نابعة من صلب المجتمع واحتياجاته.
وفيما يخص رموز السياسة المغربية الذين شاركوا اليوسفي في النضال، فقد رحل الكثير منهم، لكن المعركة من أجل الإصلاح لا تزال حية في ذاكرة التاريخ.
كان اليوسفي، الذي لم يطمع في السلطة أو المال أو الجاه، يسعى إلى إصلاح حقيقي؛ فقد كان من بناة الأمل في المغرب، مؤمنًا بأن الإصلاح لا يأتي من الفردانية أو المصالح الشخصية، بل هو مسعى لأقوياء النفوس الذين يبحثون دائمًا عن التغيير الجذري الذي يخدم المصلحة العامة ويؤسس للمستقبل.
ولا ننسى أن اليوسفي كان سليل مدرسة عبد الرحيم بوعبيد، والذي أقسم على الوفاء له؛ فهو مدفون بمقبرة الشهداء بالرباط منذ رحيله. لقد علمنا اليوسفي أن الزهد في السلطة والمال لا يعني التخلي عن المسؤولية، بل يعني التفاني في خدمة الوطن دون انتظار مقابل، مهما تغيرت الظروف.
كانت القيم الحقيقية التي حملها طوال حياته تمثل جوهره السياسي، وجعلت من مسيرته مثالًا يُحتذى به لمن يسعى إلى ديمقراطية حقيقية تعتمد على النزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية.
لم يطمع في السلطة أو المال أو الجاه، يسعى إلى إصلاح حقيقي؛ فقد كان من بناة الأمل في المغرب، مؤمنًا بأن الإصلاح لا يأتي من الفردانية أو المصالح الشخصية،
سيظل عبد الرحمان اليوسفي رمزًا للسياسة النبيلة التي لا تنتهي بمغادرة المناصب، بل تبقى حية في منهجية الإصلاح وطريق البناء.
إنه يُعلمنا أن السلطة ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الخير والصالح العام. في النهاية، يبقى الزاهدون في السلطة هم أبناء الإصلاح الحقيقي، الذين يعملون من أجل القيم والحياة الكريمة لكل فرد في المجتمع.
وُلد عبد الرحمان اليوسفي عام 1924 وظل صوته مسموعًا، مدافعًا عن المنهجية الديمقراطية في تدبير البناء الوطني. وبعد قرن من ميلاده، ستظل إشارات الملك محمد السادس وتكريمه للراحل دليلًا على دينامية الوفاء لاستمرار أوراش البناء الوطني على أسس راسخة.
رحم الله عبد الرحمان اليوسفي، رمز الحرية والعدالة والإصلاح، الذي ترك إرثًا خالدًا في التاريخ السياسي والإنساني للمغرب.