“البحر البعيد” و “المرجة الزرقاء ” ..فيلمان مغربيان بصما مهرجان مراكش السينمائي
غيثة لبلول
بصمة السينما المغربية كانت بارزة في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته 21 , بصمة كانت من توقيع فيلمين حظيا بإعجاب الجمهور وبتفاعل إيجابي كبير :
” البحر البعيد ” للمخرج سعيد حميش بلعربي
” المرجة الزرقاء ” للمخرج داوود أولاد السيد .
# فيلم البحر البعيد :
يطرح الفيلم إشكالية الهجرة والغربة لشباب يسعون لتحسين اوضاعهم المعيشية ، لكن الظروف القاسية في بلد المهجر جعلتهم ينخرطون في الحياة الجديدة ويتأقلموا مع أوضاع اجتماعية مختلفة في مواجهة ظواهر العيش وأساليب الحياة بصعوباتها وتعقيداتها ، بل ايضاً الاصطدام بحالا ت الشدود الجنسي ، مما أدخلهم في صراع مع الآخر ، ومع الذات .
هكذا لم تعد الحياة كما كانوا يطمحون ، لتصبح نسيجا تصنعه الظروف خارج إرادتهم ، وقد يدخلون في علاقات تغير مسار حياة اغلبهم بعيدا عن مساعيهم .
موضوع الهجرة ليس جديدا ، لكن المخرج الشاب سعيد حميش صاغه في قالب مغاير جمع فيه بين الاجتماعي – الاقتصادي
~ ” البحر البعيد ” يتضمن شحنة من الانفعالات والمشاعر المتناقضة بين الإحساس بالقهر والدونية ، تحت رحمة السلطة (من جهة )، والزهو والاستمتاع بأنغام الموسيقى الصاخبة تعبيرا عن الرغبة في العيش ( من جهة ثانية ) حيث يلتئم الأصدقاء في جو المتعة والتحدي ، فتتعالى القهقهات في لقاءات حميمية تعكس حب الحياة وتجاوز المحن .
فيلم رائع بإيقاعاته المتعددة ، بل والمتناقضة ، يشدك بمشاهده المؤثرة والمثيرة ، لتتفاعل وبإرادة عفوية مع شخصياته ولحظاته القوية المتداخلة ، لحظات الصخب ، لحظات الألم والقساوة، لحظات التمازج الانفعالي .
لحظات ممتعة عاشها الجمهور فيها الكثير من المواقف الإنسانية والمشاعر الانفعالية الإيجابية حيث التفاعل الكبير مع الحكي ، مع الشخصيات أثناء اللحظات والأحداث رغم تضمنه لبعض المشاهد الحساسة .
موضوع الهجرة ليس جديدا ، لكن المخرج الشاب سعيد حميش صاغه في قالب مغاير جمع فيه بين الاجتماعي – الاقتصادي وانعكاساته على الفرد في علاقته بذاته أولاً ، وتأثيره على المسار المتداخل لحياته من جهة ، وتصدعه النفسي بين رغبته في العودة إلى بلده أو الاستمرار في علاقاته التي نسجت خيوطها في المهجر .
# المرجة الزرقاء
طفل في العاشرة من عمره ، كفيف يعيش مع جديه من أبيه بعد وفاة والديه وهو رضيع في شهره السادس .
طفل ينضب بالحيوية ، يحمل آمالا يتحدى بها إعاقته، يسعى إلى الإندماج في عالمه ، والتفاعل مع زملائه في المدرسة ، فيلتقط لهم صورا بآلة تصوير يتخذها مرافقته الأساسية في كل تحركاته .
يوسف ، طفل التحدي ، ينغمس في الحياة ، يطرح كل الاسئلة من اجل المعرفة ،معرفة كل شيء وأي شيء.
سمع يوسف ب ” المرجة الزرقاء ” ، فضاء في الصحراء يتوافد إليه بعض السياح ، فيصر على الذهاب إليه ، وبعد تردد يوافقه الجد وهو الذي لايرد له طلبا ، ساعيا دائما لإرضائه .
تنطلق الرحلة ليخوض الإثنان مغامرات تزيد من تقربهما لبعض ، حيث يبوح الجد لحفيده بسر ظل كاتما على أنفاسه ، ويعترف له بأنه كان السبب في موت والديه وفي فقدان الطفل لبصره أثناء حادثة سير كان هو السائق المرافق لإبنه وزوجته . .. رواية جعلت الطفل يبتعد عن جده ، لكن يعودان معا حيث لم يتحملا فراق بعضهما ، فيستأنفا البحث عن المرجة الزرقاء . وقفا أخيرا على أبعاد صحاري قاحلة جافة لتصل الرحلة إلى نهايتها .
الجميل في الفيلم ليس تتبع الأحداث في تعاقبها ، لكن المعنى والدلالة التي يحملها هذا المسار وهذا الترقب لتحقيق الهدف
وقف الجد يمني النفس بما يراه مسلما بأن الوصول إلى الهدف أصبح مستحيلا ، لكن الطفل لا يعرف المستحيل ، بل لا يعترف به ، حيث يرفع لحظة التحدي ليعلن انتشاءه موجها مصورته اتجاه المرجة الزرقاء ، ويلتقط صورا ، الصور التي أرادها لنفسه ، يرى من خلالها الأجوبة التي يعزز بها علاقته بالعالم الذي يبحث عنه ، فيحقق اندماجه مع محيطه ، يعرضها على صديقته حتى تتفاعل من خلالها مع مايبحث عنه ..
إنها قمة التحدي ، تحدي الواقع المفروض من اجل الاندماج في العالم المأمول .
صورة أراد بها المخرج ان يجعل من المخيال مجالا لتحقيق الآمال ..
الجميل في الفيلم ليس تتبع الأحداث في تعاقبها ، لكن المعنى والدلالة التي يحملها هذا المسار وهذا الترقب لتحقيق الهدف ، وإصرار الطفل على تصوير الحدث ، على نقل الصورة التي يريد ، وليس الصورة كما في الواقع ، بل كما في واقعه هوالذي يتفاعل معه ، وينقله بدوره لصديقته التي يتقاسم معها صور الحياة وما يحب هو في ذاته ولذاته .