ملف

لعبة “ماطا”.. انتصار لقيم الفروسية

 

  “ماطا” اسم لعبة  مشتق من الفعل العربي “امتطى”وهي لعبة قديمة توارثتها القبائل في الشمال المغربي احتفاء بالطبيعة والتاريخ في جو احتفالي يزاوج بين طقوس موسم الحصاد والارتقاء بالتراث الفني والثقافي للمنطقة.

وهي لعبة شيقة تتأسس على تنافس مجموعة من الفرسان على ظهر الجياد للظفر بدمية عروس تمثل “المرأة”يسعى كل فارس لاختطافها والهروب بها إلى قبيلته وبما يحتفي بقيم الفروسية التي تعكسها شهامة وبسالة الفرسان.

  

مع نهاية كل موسم فلاحي وبشكل خاص عند موسم جني الثمار في فصل الربيع تعمد النساء في قبائل بني عروس الجبلية المتاخمة لمدينة طنجة في الشمال المغربي إلى صناعة دمية على شكل امرأة جميلة بأدوات بسيطة أهمها عيدان القصب وأوراق النباتات والأزهار ، وهي الدمية “المرأة ” نفسها التي يتم تزيينها بأجمل الملابس وخاصة القفطان المغربي التقليدي مع تشكيلة تقليدية أيضا من الحلي الذهبية والفضية العتيقة .

هذه الدمية العروس ” ماطا” هي التي تصبح مبتغى فرسان القبائل الجبلية عند اختتام موسم الحصاد وموضع تنافس وتسابق من أجل الظفر بها وبما يعني كرامة قرى الفرسان المتنافسة وعزة رجالاتها في طقس سنوي يستهدف الحفاظ على قيم الفروسية المتوارثة في هذه القبائل الجبلية الوعرة التي ظلت عبر التاريخ مستعصية على كل مستعمر ودخيل .

نبل الفرس والفارس

 بعد تزيين العروس “ماطا” يكون الفرسان المتبارين مصطفين بأسراب الخيول متشكلين تقريبا من كل القرى الجبلية في “بني عروس” مع ملاحظة ضرورية تتمثل في أن حصان لعبة “ماطا” لا يسرج لإيمان كافة القبائل الجبلية بأن الحصان حيوان نبيل وهي صفة يشترك فيها مع الفارس الذي يمتطيه ومن تم ليس من المناسب أن يفصل النبيل عن النبيل أي شئ ولو وكان سرجا مذهبا .

اختيار الفارس الذي سيحمل العروس ويسبق سرب الفرسان يخضع لشروط دقيقة أول هذه الشروط أن يكون الفارس والفرس قويان ومتناسقان وأن يشترط في الفارس الشجاعة والقوة وأن يدفع مبلغا ماليا تحدده لجنة مكونة من كل القبائل المشاركة على أن يتم اللجوء إلى التصويت أحيانا في حال تعذر الاختيار بين متبارين أو أكثر  ، وعلى من تم اختياره لحمل العروس ” ماطا” أن يخضع لوجبة نصائح كثيرة من علية القوم حيث يتم تذكيره بقيم الفروسية وتحذيره من أن تسقط العروس “ماطا” في يد الفرسان الآخرين.

كر وفر

تبدأ لعبة ” ماطا” بأجواء حماسية تثير استغراب وإعجاب من تعرف على اللعبة لأول مرة حيث تبدأ طقوس اللعبة بالصلاة والسلام على رسول الله وإطلاق النسوة للزغاريد لتحميس الفرسان ولتبدأ بعد ذلك بداية البداية حيث يصطف الفرسان في خط واحد يتقدمهم حامل العروس ” ماطا” بمسافة محددة في خمسة أمتار يحمل في يده عروسه ويشد لجام فرسه باليد الأخرى وعينه على المسافة التي تفصله وخط الوصول أي خط النجاة بعروسه ، وبعد إعطاء إشارة الانطلاق ينطلق الجميع في تسابق حماسي بديع وسط هتافات وتشجيع الجمهور الحاضر فان وصل حامل ” ماطا” إلى خط الوصول فانه بذلك قد فاز وحفظ ماء وجه القبيلة وان انتزعها منه فارس آخر فلا يعلن فوزه إلا بعد بلوغه خط الوصول ،أما في حال لحق بالفارس الأول أكثر من فارس فما عليهم إلا أن يتصارعوا من أجل الظفر بالعروس ” ماطا” شرط أن لا يكون هناك أي مظهر من مظاهر العنف حيث يمنع الدفع أو الجر أو محاولة إسقاط الفارس من على ظهر فرسه وهي كلها عناصر تعتبر خرقا لقانون اللعبة وعلى أساسها يتم رفض أي نتيجة تبث فيها ابسط أنواع العنف لأن أصل اللعبة هو إعلاء شأن قيم الفروسية .

تاريخ قديم

 الباحث جعفر الوهابي المتخصص في المجال اعتبر أن كلمة ” ماطا” وانطلاقا من كتب التاريخ فهي تحيل على عصابة من الصليبين المتطرفين وظهرت تحديدا في القرن السادس الميلادي حيث كانت هذه العصابة تغير على السواحل المغربية وخاصة عند الاحتلال البرتغالي لمدينة “أصيلة” ، هذه العصابة كانت تختار فصل الربيع حين يخرجن النساء لتنقية النباتات من الطفيليات ليهجموا على القبائل لسبي النساء وقتل الرجال ومن تم إرغام من بقي من الرجال على دفع الفدية لتحرير نسائهم

الباحث جعفر الوهابي يعتقد أن كلمة ” ماطا” تعني القتال في اللغة الاسبانية مستدلا على ذلك بكلمة ” أماطادور” الاسبانية التي تعني القتال والصراع ومن هنا يرى الباحث في المجال أن المشترك كبير بين الشعوب وربما أصول اللعبة تعود لأبعد من ذلك جغرافيا وتاريخيا وهو ما يدفعنا يقول الوهابي للدراسة والبحث في عادات وتقاليد عدة في البلدان العربية والتي قد تشترك وتتلاقى في أبعاد عدة مع أمم قديمة وحديثة على الكرة الأرضية

مهرجان “ماطا” 

باعتبارها من اللعب النبيلة والمبدعة ارتأت جهات عديدة من بينها الدولة المغربية تحويل هذه اللعبة إلى مهرجان سنوي ترعاه مؤسسات خاصة وعامة بالتنسيق مع القبائل الجبلية في بني عروس وقد حققت الدورات الخمس من مهرجان “ماطا” نجاحا كبيرا كانت فيه القبائل الجبلية الفاعل الرئيس في ذلك ،واعتبر المهرجان الذي حقق نجاحا باهرا بالنظر لحجم الإقبال عليه من طرف المغاربة والأجانب اعتبر محطة هامة لربط الحاضر بالماضي في مزاوجة شيقة بين ما هو روحي وفرجوي ولبث قيم السلام والتسامح والحب والحوار بين الشعوب والثقافات والديانات .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى