فاز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأحد بولاية جديدة اثر اقتراع شهد تنافسا غير مسبوق ليمد د حكمه المستمر منذ عقدين حتى عام 2028.
تغلب الزعيم البالغ 69 عام ا على أسوأ أزمة اقتصادية في تركيا منذ جيل وأقوى تحالف للمعارضة واجهه، ليبقى سجله الانتخابي خاليا من الهزائم.
انتشرت مظاهر الاحتفالات في أنحاء تركيا فيما تتالت التهاني من زعماء العالم، وألقى إردوغان كلمة أولى من على سطح حافلة في إسطنبول.
وقال وسط حشد من أنصاره قبالة مقر إقامته في المدينة “عهدت إلينا أمتنا مسؤولية حكم البلاد للسنوات الخمس المقبلة”.
وأضاف إردوغان الذي يحكم تركيا منذ عشرين عاما “سنفي بكل الوعود التي قطعناها للشعب”، مؤكدا أن “كل عملية انتخابية هي نهضة”.
وتابع “أظهرت هذه الانتخابات أن لا أحد يستطيع أن يهاجم مكتسبات هذه الأمة”، مردفا “إن شاء الله نستحق ثقتكم”.
وفي كلمة ثانية ألقاها من القصر الرئاسي في أنقرة أمام مئات الآلاف من أنصاره، دعا إردوغان الأتراك إلى “الوحدة والتضامن”.
وقال “نترك الخلافات السياسية جانبا وندعو إلى الوحدة والتضامن”، مؤكدا “ندعو إلى ذلك من كل قلبنا”.
وأظهرت النتائج شبه النهائية فوزه على منافسه العلماني كمال كليتشدار أوغلو بفارق أربع نقاط مئوية.
في ردود الفعل الدولية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن إعادة انتخاب إردوغان تظهر دعم الأتراك “لجهودكم في تعزيز سيادة الدولة واتباع سياسة خارجية مستقلة”.
وهنأ الرئيس الأميركي جو بايدن إردوغان على إعادة انتخابه قائلا “أتطلع إلى مواصلة العمل معا بصفتنا حليفين في الناتو بشأن القضايا الثنائية والتحديات العالمية المشتركة”.
وأبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تطلعه إلى “المضي قدما” في رفع التحديات العالمية المشتركة، فيما أمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “تعزيز الشراكة الاستراتيجية” مع تركيا.
أما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فقد أشاد بـ”انتصار إردوغان الكبير والمستحق”.
توقفت حركة المرور في ساحة تقسيم الشهيرة في إسطنبول فيما تجمعت حشود كبيرة لوحت بالأعلام التركية وصور إردوغان.
وقالت نيسا سيفاسلي أوغلو البالغة 17 عام ا في العاصمة التركية أنقرة “اختار شعبنا الرجل المناسب”.
وأضافت “أتوقع أن يعزز إردوغان الأشياء الجيدة التي قام بها لبلدنا”.
تعرض الزعيم التركي الأطول عهدا إلى اختبار غير مسبوق، وي نظر إلى هذه الانتخابات على نطاق واسع على أنها الأكثر أهمية في تاريخ الجمهورية منذ إعلانها قبل قرن.
شكل كيليتشدار أوغلو تحالفا قويا جمع حلفاء سابقين لإردوغان وقوميين علمانيين ومحافظين.
لكن كيليتشدار أوغلو لم يقر رسمي ا بالهزيمة أثناء تلاوته بيانا مقتضبا أمام الصحافيين في أنقرة.
وقال “إنني حزين للغاية في مواجهة الصعوبات التي تنتظر البلد”.
لا الرغبة في التغيير والانفتاح من جانب جزء من الناخبين، ولا التضخم المالي الحاد، ولا القيود المفروضة على الحريات والصلاحيات الرئاسية المفرطة، نجحت في تغيير المشهد السياسي.
لم تساهم أيضا تداعيات الزلزال المدمر في فبراير والذي أودى بما لا يقل عن 50 ألف قتيل وشرد ثلاثة ملايين شخص، في تراجع شعبية “الريس” إردوغان الذي تصدر نتائج الانتخابات في المحافظات المتضررة التي تعهد إعادة إعمارها بسرعة.
أما حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الذي يتزعمه إردوغان، فقد خسر مقاعد في البرلمان لكنه احتفظ بالغالبية مع حلفائه.
من جهته، عانى كمال كيليتشدار أوغلو هزيمة رغم محاولته استقطاب مزيد من الناخبين في حملته للدورة الثانية من الانتخابات.
فقد غير الموظف الحكومي السابق تركيزه من الحديث على الوحدة الاجتماعية والحريات إلى الحديث أكثر عن الحاجة إلى إخراج المهاجرين من البلد ومكافحة الإرهاب.
واستهدف بذلك استقطاب ناخبي اليمين القومي الذين حققوا مكاسب في الانتخابات البرلمانية.
لكن شكك محللون في نجاح مناورة كيليتشدار أوغلو، إذ إن تحالفه غير الرسمي مع حزب مؤيد لقضايا الأكراد يصوره إردوغان على أنه جناح لحزب العمال الكردستاني المحظور، تركه عرضة لاتهامات بالعمل مع “إرهابيين”.
كما لم تكن مغازلته لليمين التركي المتشدد مجدية بسبب التأييد الذي تلقاه إردوغان من المرشح القومي المتطرف سنان أوغان الذي احتل المركز الثالث في الدورة الأولى للانتخابات قبل أسبوعين.
وبدا بعض أنصار المعارضة مهزومين بالفعل بعد خروجهم من مراكز الاقتراع.
وقال بيرم علي يوس في أحد الأحياء المناهضة لإردوغان في اسطنبول “اليوم ليس مثل المرة الماضية. لقد كنت أكثر حماسة حينها”.
وأضاف “تبدو النتيجة أكثر وضوح ا الآن. لكني مع ذلك أدليت بصوتي”.
يحظى رجب طيب إردوغان بدعم واسع لدى الشرائح الأكثر فقرا وتلك الريفية من المجتمع التركي بسبب تشجيعه للحريات الدينية وتحديث المدن التي كانت متداعية في دواخل الأناضول.
وقال الناخب محمد أمين أياز لوكالة فرانس برس في أنقرة “كان من المهم بالنسبة لي الحفاظ على ما تحقق مدى السنوات العشرين الماضية في تركيا”.
وأضاف الرجل البالغ 64 عاما “تركيا ليست كما كانت في الماضي. هناك تركيا جديدة اليوم”.
لقي إردوغان انتقادات بسبب حملات القمع التي مارسها على جزء من المعارضة وتبنيه سياسة خارجية مثيرة للجدل.
ويقيم علاقات شخصية جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تتأثر بالحرب على أوكرانيا.
ويستفيد الاقتصاد التركي المضطرب من تأجيل سداد واردات الطاقة الروسية، الأمر الذي ساعد إردوغان على الإنفاق بسخاء على تعهدات حملته هذا العام.
كما أخر عضوية فنلندا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ولا يزال يرفض قبول انضمام السويد إلى التحالف الدفاعي الذي تقوده الولايات المتحدة.