
يثير شريط فيديو لمعلمة ترقص مع زملاء لها خلال رحلة على النيل جدلا واسعا في مصر، بين من يهاجمها متهما إياها بتحدي قيم المجتمع المحافظ، ومن يقف معها بحزم منددا بالتشهير بها، وبينهم ناشطات نسويات.
وكانت معلمة اللغة العربية آية يوسف (30 عاما) تعمل منذ ثلاث سنوات في مدرسة ابتدائية في مدينة المنصورة (شمال القاهرة). خلال رحلة ترفيهية في مركب على نهر النيل، رقصت مع زملاء لها، والتقط أحدهم فيديو لبضع دقائق بينما كانت ترقص بسروال طويل أسود ومنديل يغطي رأسها، قبل أن تجد الصور طريقها الى مواقع التواصل الاجتماعي.
على الأثر، تعرضت آية يوسف لحملة عنيفة. وفقدت عملها نتيجة ذلك. كذلك، لم يتحمل زوجها الضغط، فطلقها بعد أن شككت تعليقات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي بسمعة زوجته وسلوكها.
على موقع “يوتيوب” حيث يمكن رؤية الفيديو المثير للجدل، كتب أحمد البحيري “لا أتصور أن امرأة متزوجة ترقص بهذا الشكل الخليع”.
وانتقد آخرون ما أسموه “رقصا مبتذلا”، وقال البعض إنه “مخل بآداب مهنة التعليم”.
وكتبت إيمان كريم على “تويتر”، “أنا رافضة لتصرف مدرسة المنصورة، لأنها لم تقدر ثقة زوجها، ورافضة أن ترقص هكذا وسط رجال أغراب، ولكنني أدين من صور ونشر الفيديو”.
في الوقت نفسه، أصدر وكيل وزارة التربية والتعليم بالدقهلية حيث تقع المدرسة، قرارا بإحالتها مع خمسة من زملائها الى النيابة الإدارية.
ويرتبط الرقص الشرقي بشكل عضوي بمصر. ولا تعد ولا تحصى الأفلام المصرية القديمة التي توجد فيها لقطات طويلة من الرقص الشرقي. إلا أن التأثير الإسلامي الذي شهدته مصر منذ السبعينات ترك بصماته على هذه الأفلام، فاختفت لقطات الرقص بملابس مكشوفة لوقت طويل، قبل أن تعود في السنوات الأخيرة، لكن غالبا ما تتعرض لانتقادات.
في المجتمع، لا تزال النساء والفتيات يرقصن في الحفلات الخاصة والأعراس، ولكن خروج ذلك الى مواقع التواصل الاجتماعي غالبا ما يتسبب بأزمات وحملات تشهير.
وبعد بعض الصمت، تكلمت آية يوسف الى صحافيين ووسائل إعلام، مشيرة الى أنها لم تكن وحدها التي رقصت في تلك الرحلة، بل شارك زملاء وزميلات في الرقص.
وقالت المعلمة المحبوبة من طلابها والمجازة في الأدب العربي والأم لثلاثة أطفال في إحدى المقابلات “كان الأمر عاديا. كنا في رحلة ترفيهية في يوم جمعة”.
وأكدت أنها ستقاضي من صورها و”أساء إلي والى أهلي وبيتي”، مضيفة “هذا تشهير”.
وتضامن كثيرون مع آية يوسف، وبينهم فنانات وناشطات نسويات.
وكتبت الممثلة هيدي كرم على حسابها على “إنستغرام”، “قصة عجيبة غريبة من نوعها وكلنا نتفرج عليها وساكتون، (…) معلمة المنصورة كانت في رحلة نيلية مع زملائها الذين تعرفهم منذ سنوات، وربما تعرف زوجاتهم وعيالهم، سمعت موسيقى وتمايلت قليلا… دمرتموها وأضعتوا مستقبلها”.
وكتبت الممثلة سمية الخشاب على “تويتر”، تعليقا على موقف زوج آية “لم لا يقف الرجل قرب زوجته، علما أن نساء كثيرات جدا يكن سندا لأزواجهن عندما يدخلون السجن مثلا أو إذا تدهورت ظروفهم لأي سبب، ولا يتخلين عنهم”.
وفي شريط فيديو نشرته على صفحتها على “فيسبوك”، دافعت المحامية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، عن المعلمة وعرضت عليها وظيفة مصححة لغة عربية في مكتب المحاماة الخاص بها.
وتحت ضغط الحملة المضادة، أعلنت وزارة التربية والتعليم إعادة يوسف الى عملها.
وقالت أبو القمصان “سنذهب الى المحكمة لتقول لنا هل الذي نشر الفيديو على الانترنت هو من ارتكب جريمة أم التي رقصت هي التي ارتكبت جريمة”.
وفي إشارة الى أنه لا يوجد في القانون ما يجرم سلوكا شخصيا كالرقص، تابعت الناشطة النسوية بلهجة ساخرة “سنطلب من المحكمة أن تقول لنا ما هي قواعد الرقص الصحيحة حتى تعرف كل من ترقص في فرح ابنها أو شقيقها أو في حفل عيد ميلاد ما هي معايير الرقص الصحيحة وما هي معايير الرقص المبتذل!”.
وشهدت مصر خلال السنوات الأخيرة قضايا عدة تعرضت فيها فتيات لحملات تشهير على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم نشاط المنظمات المدافعة عن الحريات الشخصية والمساواة بين الذكور والإناث، لا تزال شريحة كبيرة من المجتمع ترزح تحت وطأة التأثير الذي تركه الإسلاميون المتطرفون والعادات المحافظة المتشددة.
أما آية يوسف التي تواصل تعليمها لتحصيل “ماجستير”، و”لأحصل على التعيين الذي أستحق”، وفق قولها في مقابلة تلفزيونية، فاعتذرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام على أنها رقصت علنا، مضيفة أنها لن تسامح “من تسبب بخراب بيتي وتدمير حياتي”.