عن العربية الحديثة في المدرسة

محمد بنيــس
يبدو أن المسألة اللغوية في المغرب ستظل من أعقد قضايا التحديث في تعليمنا وثقافتنا.، ذلك الاختيار، الذي كان واضحاً وعملياً لدى كثير من الشعوب الحديثة الاستقلال لم يكن لنا حظُّ أن نصل إليه ونتخطاه إلى ما ينتظر دوره في جدول مشروع التحديث. هي مسألة غريبة على تاريخ المغرب، الذي حل مشاكل التعبير في مراحله السابقة على العصر الحديث، بطرق مرنة في غالب الأحيان، بين المدينة والقرية، بين العربية الفصحى والدارجة والأمازيغية، بين العربية ولغات أروبية. ذلك التاريخ أصبح اليوم بعيداً عنا، بل هو يبتعد أكثر فأكثر، كلما أقبلنا على توسيع العلاقة مع الآخر.
في مرحلة الدولة القوية، مرحلة المرابطين والموحدين، كانت للمغرب سيادة اتخاذ القرار بشأن لغته، ثم بعد سريان الأفول، أصبح المجتمع يتدبر أوضاعه اللغوية بنفسه. وتولّدت المشاكل مع بداية التحديث، إلى أن أخذت تسير نحو التعقيد، الذي لا يعثر على مخرج آمن، وخاصة منذ الاستقلال حتى اليوم.
أسميها أعقد قضايا التحديث، بسبب صعوبة استعادة السيادة الوطنية في هذا المجال، الذي يعبّر عن الصراعات الكبرى في المجتمع وعن تنازع المصالح مع الذات ومع الآخر. لا أتوقف عن تأمل هذه الوضعية اللغوية في المغرب.
أتأملها بألم. من قبل كنت أتأملها من خلال التدريس في الثانوية والجامعة، أو من خلال تتبع الاهتمامات والنقاشات وحركة الأفكار. وكان ذلك شديد الارتباط بممارسة الكتابة، التي فرضت عليّ مواصلة التأمل وتعميق الاطلاع على الأوضاع اللغوية المختلفة في مناطق متعددة من العالم. أتأمل بالكتابة وفي الكتابة.
ديوان نهر بين جنازتين موضوعه جنازة العربية وجنازة الأنا، في مغرب اليوم. ولا أتوقف عبر كتابات، حوارات، مناقشات، هنا وهناك. فأنا أريد أن أفهم، وأريد ألا أفارق الحياة وأنا غريبٌ في لغتي العربية. على أنني لا أرى بعد اليأس سوى المقاومة، بالكتابة، شهادة على زمن وعلى اختيارات.



