الكوميديا في السينما المغربية..ضحك أم تهريج ؟

موجة من أفلام الكوميديا اكتسحت قاعات السينما المغربية في الخمس سنوات الأخيرة ….
“البحث عن الجمهور ولو على حساب الإبداع السينمائي الرصين ” هو الحكم الذي صدر عن نقاد السينما في المغرب ، وكأن كوميديا السينما المغربية تعني السفاهة والتهريج .
البداية كانت سنة 2012 مع فيلم “الطريق إلى كابول” للمخرج إبراهيم شكيري ، الفيلم الكوميدي الذي جمع عدد من الوجوه المحسوبة على الكوميديا في المغرب والذي حقق إقبالا جماهيريا واسعا واستطاع الهيمنة على شباك التذاكر لأكثر من سنتين …فيلم كوميدي فتح شهية مخرجين مغاربة آخرين جاؤوا من تجارب سينمائية مختلفة وحولوا وجهتم نحو الفيلم الكوميدي ، حيث خرجت ودفعة واحدة ما يزيد عن أربعة أفلام تمشي على نفس المنوال أي استقطاب الجماهير ولو على حساب الخروج من جنس الأفلام التي يفترض أن ترفع من الدوق العام ، وهكذا خرج فيلم (الفروج) لعبد الله فركوس وبعده فيلم (أليس في بلاد العجائب) لجيهان البحار ،ثم فيلم (الحاجات) لمحمد أشاور ، وفيلم (لحنش) لإدريس المريني .
هي ظاهرة جديدة لا تستوفي مقومات العمل الفني ، كما يقول ناقد فني مغربي موضحا أن تراجع استهلاك الفرجة السينمائية خلال السنوات العشر الأخيرة دفع باتجاه أطروحة الكوميدية والتي راهن عليها البعض لإنعاش السينما المغربية وإعادة الجمهور إلى القاعات السينمائية .
الناقد نفسه أوضح أن الأفلام الكوميدية التي طغت على الساحة مؤخرا هي أفلام تنبني على الضحك المجاني الذي لا يعطي أهمية للجانب الإبداعي والجمالي ، مؤكدا أن المخرجين الذين اشتغلوا على هذا النوع من الأفلام فضلوا الاعتماد على وجوه كوميدية ذات إشعاع جماهيري دون الانتباه لباقي مقومات صناعة الفيلم السينمائي الحقيقي .
طرح يتفق معه ناقد سينمائي اخر ويذهب الى أن السينما السفيهة هيمنت على واقع السينما في المغرب ، ما يتوجب يضيف إنتاج فيلم بليغ بالمعنى الجاحظي في السينما العربية والمغربية تحديدا .
الناقد نفسه أضاف أن ما يعرف بسينما “المؤلف” كان تعبيرا يخص المخرجين الغربيين الذين كانوا يتحايلون على ديكتاتورية السوق ليطبعوا أفلامهم ببصمات ثقافية ، ونحن اليوم نحلم بسينما جديدة وهي سينما المخرج والكاتب الذي يتوق إلى إضافة الأبعاد الأدبية والمعرفية والفنية الرفيعة إلى التقنيات السينمائية.
صناعة سينمائية كوميدية
هي عملية فنية مركبة يقول اناقد سينمائي ، اهتمام السينما في المغرب بالجانب الكوميدي ليس عيبا يقول الناقد حيث إنها لحظة فعالة وقوية خاصة حينما تركز على القضايا الاجتماعية .
الناقد أوضح أن الغرض من كل ذلك هو تحقيق الفرجة السينمائية بالتزامن مع الانتصار لرسالة اجتماعية ، فالعمل السينمائي الكوميدي ليس سهلا ولن يكون في المتناول سواء على مستوى كتابة السيناريو أو على مستوى عملية الإخراج أو في الشق المتعلق بالتشخيص .
هناك أفلام عديدة كوميدية حظيت بمتابعة كبيرة من طرف الجمهور المغربي وفي نفس الوقت نالت تنويه النقد السينمائي والفني يؤكد الناقد السينمائي ،مقدما بعض التجارب لأفلام وممثلين مغاربة برعوا في الربط مابين مضمون جدي وبين كوميديا استطاعت الإضحاك دون التخلي عن الهدف من وراء هذا الإضحاك .
هل هناك صناعة سينمائية كوميدية مغربية ؟ يتساءل أحدهم ، مشيرا إلى أن المغرب ينتج عشرين فليما سنويا حطمت فيها الأفلام الكوميدية أرقاما قياسية في المشاهدة والصمود في القاعات السينمائية .
المصدر ذاته عاد لحصلية المركز السينمائي المغربي عن 2015 التي كشفت أن فيلم “الفروج” (الديك) إخراج وتمثيل عبد الله فركوس حقق مائة ألف متفرج ، وفيلم “الحمالة” إخراج وإنتاج وتمثيل سعيد الناصري حقق 95535 تذكرة. وهي أفلام لها جمهور وغالبا ما تتجاوز أفضل الأفلام الأمريكية التي تعرض بالقاعات السينمائية المغربية. وقد تمت مشاهدة الفيلمين على قناة اليوتوب مآت الآلاف المرات ويباعان على أقراص مدمجة مقرصنة في الأسواق الشعبية بشكل كبير .
معطيات وأرقام وحقائق تؤكدها مخرجة وموزعة سينمائية مغربية مؤكدة أن الفيلم المتكامل فنيا والقوي إخراجا هو الذي يصمد على المدى الطويل في الشباك ، مفسرة نجاح الأفلام الكوميدية جماهيريا بكونها تتوجه إلى جمهور القاعات الذي يتكون غالبا من الشباب وهذه الفئة تقول تبحث عن الفرجة والتسلية .
السينما هي أيضا ترفيه ، ويجب على السينما المغربية أن تخرج من جديتها وجدها يقول ممثل مغربي ..الممثل الذي جسد العديد من الأدوار الكوميدية في عدة أفلام سينمائية أوضح أن التشخيص في أفلام كوميدية ليس سهلا ، حيث يطلب من الممثل إضحاك المشاهدين باختلاف مشاربهم وتباعد مستوياتهم دون السقوط في الإسفاف والملل .
الممثل ذاته اعتبر أن الجمهور المغربي يقبل دائما على الضحك والترويج عن النفس ، وهذا يعني أن السينما المغربية ضلت بعيدة عن هذا الجمهور ولم تلتفت إلى الكوميديا إلا في السنوات الأخيرة وخاصة مع فيلم “الطريق إلى كابول” الذي نجح أساسا بفضل كفاءة الممثلين على وجه الخصوص .
ضحك أم تهريج ؟
الأفلام الكوميدية في السينما لا يجب أن تدخل في نطاق التهريج، لأن الكوميديا نوع من السينما لديه أهمية وإقبال كبير عند الجمهور ، الكلام لمخرج سينمائي مغربي يعتبرمن الرواد …الأخير انتقد مجموع الأفلام الكوميدية المعروضة في دور السينما المغربية ، موضحا أن إقبال الجمهور على هذه الأنواع من الأفلام مرده إلى تعوده على مثلها في المسلسلات التلفزية، وهذا مؤسف لأنه يفترض أن السينما مختلفة على المسلسلات التي تعرض في التلفزة.
المخرج الذي يعتبر من كبار المخرجين في المغرب أكد أن سينما الكوميديا هي سينما مواقف وليس سينما التهريج وإرغام المتلقي على الضحك.
مشكلة السينما المغربية يقول نفس المخرج مشكلة جمهور ، الذي عرف تحولا كبيرا في طبيعة دوقه الفني ، والفرق الشاسع بين الإقبال على القاعات السينمائية عند جيل الثمانينات وجيل اليوم واضح .
ففي الثمانينات يقول كان هناك حوالي 43 مليون مغربي يزورون القاعات السينمائية التي كانت تصل الى 300 قاعة تقريبا، أما اليوم فلا نصل إلى مليون ونصف من المتفرجين في السنة، رغم أن السكان تضاعف ، فيما تقلص عدد القاعات اليوم ليصل إلى 70 شاشة فقط.
المركز السينمائي المغربي الذي يشرف على تنظيم المهرجان الوطني للفيلم كان قد كشف ، عن لائحة تضم 15 فيلما روائيا طويلا ستشارك في المسابقة الرسمية للدورة من دورات المهرجان الذي ينظم بمدينة طنجة ، ويبدو من خلال اللائحة أن عددا كبيرا من الأفلام التي تم إقصاءها ، هي ذات طابع فكاهي – كوميدي وهي أفلام لم تقنع لجنة الاختيار، لسبب من الأسباب، الأمر الذي ينبئ بأن الدورة القادمة ستكون بلمسة “جدية” على مستوى المقاربات السينمائية.
جدية مطلوبة في المرحلة المقبلة حتى ننهي مع مرحلة سينمائية سيئة كما يقول مخرج مغربي ينتمي لجيل الشباب
المخرج نفسه كان قد أثار نقاشا حادا حين انتقد الفيلم الكوميدي (30 مليون) الذي حقق إقبالا كبيرا في فترة من الفترات بالقاعات السينمائية المغربية …المخرج وصف الفيلم بالسطحي وقال ما يعنيه أنه “يكفيك في المغرب أن تجمع حفنة من المهرجين وتجعل منهم ممثلين وترمي ذلك إلى الشعب الأمي وتلك قمة الفرجة التافهة”
موقف المركز السينمائي المغربي ومعه النقاش الدائر الآن حول السينما الكوميدية يضع هذه الأخيرة على المحك ، ويسلط عليها الأضواء … فهل تغلب في هذا النقاش أطروحة النقاد الذين يعبرون عن استياءهم من الطابع السطحي والسوقي لهذه الأفلام ؟ أم تنتصر نظرية صناع السينما الذين يعتبرون أن تنوع الأجناس السينمائية ظاهرة صحية وطبيعية ؟