دار الدباغة بفاس..مهرجان الألوان الساحر بمنظر الجلود المشمسة
تقديم :
دار الدباغ بمدينة فاس ، الفضاء العتيق لدباغة الجلود الذي تحول لأحد أهم الوجهات السياحية في المدينة العلمية للمملكة .
مهرجان الألوان الساحر بمنظر الجلود المشمسة بألوانها الزاهية المستخرجة من القرنفل وقشور الرمان والزعفران .
تتواجد دار الدباغ التي بنيت على ضفة النهر في أحد أقدم الأحياء في مدينة فاس المغربية وهو حي “فاس البالي ” قرب مدرسة الصفارين الشهيرة .
استطاع هذا الحي الشهير بالدباغة أن يستمر في أداء هذا النشاط الصناعي منذ قرون إلى اليوم بالطريقة التقليدية نفسها محافظا على أحواضه الحجرية الدائرية المطلية بالأصباغ والسوائل المتعددة التي تصلح لتليين الصلصال والتي حافظت على طابعها التقليدي حد أن نالت جلودها شهرة عالمية استعانت بها كبريات دور الخياطة والموضا والملابس والاكسسورات في العالم .
وان كان أن مدينة فاس قد عرفت تطورا مدنيا وصناعيا متعددا فإنها حافظت على بقاء دور الدباغة والتي كان يفوق عددها بكثير باقي المدن المغربية الأخرى وأشهرها “دار دبغ شوارة” التي تمتد على مساحة تناهز 7000 متر مربع ، وتشمل 193 ورشة مستغلة من طرف أزيد من 600 صانع تقليدي وتنتج يوميا بين 3000 و5000 من الجلود الجاهزة.
وحسب كبار الحرفيين في دباغة الجلود بفاس فان مدبغة “دار دبغ شوارة” هي المدبغة الوحيدة على الصعيد العالمي التي لا زالت تعتمد على الدباغة النباتية والطبيعية ، والمقصود بالنباتية والطبيعية حسب نفس الحرفي الملح والجير وبرز الحمام، و قشور الرمان والزعفران ومواد أخرى طبيعية وهي المواد التي يتم بها غسل الجلود كمرحلة أولى ودبغها كمرحلة ثانية بالألوان التي تستخرج من الرمان والزعفران قبل أن يتم تجفيفها في أماكن عالية مواجهة للشمس لتصبح فيما بعد قابلة للاستعمال ، وهي العمليات التي تستغرق الاسبوع أو الاسبوعين حسب عدد الصناع والحرفيين الذين يشتغلون في كل مدبغة على حدا .
شمس وماء وملح
الشمس الساطعة والماء والملح العناصر الأساسية والأولية التي يعتمدها عمال المدابغ كأدوات أولية لمعالجة الجلود ، المعالجة التي لم تتغير طريقتها منذ أمد بعيد حيث يتم فصل الجلد عن الصوف بطريقة تعتمد على أدوات تقليدية ، لتأتي بعدها مرحلة نقل الجلد إلى المغاسل قصد غسلها جيدا..عملية غسل الجلد عملية مفصلية وهي مرحلة دقيقة حيث يتم وضع الجلود في إناء حديدي كبير ليشرع في دعكها بالأرجل وإضافة المواد الطبيعية والنباتية ما يعطي للمكان رائحة مميزة وساحرة تتبعها عملية تلوين الجلد داخل الأحواض وتأتي هذه الألوان متناغمة مع ألوان الطبيعة مجسدة لنباتات بعينها فمثلا نجد ألوان الأقحوان ولون النعناع ولون كحل العيون وألوان قشور الرمان …وهي ألوان تغير وجه الجلود وتغير أيضا من رائحتها الكريهة وتحولها إلى رائحة عاطرة وزكية ، وتلك المرحلة الأخيرة التي تأتي بعدها مرحلة نقل الجلود عن طريق تحميلها لوجهتها على ظهور الحمير والبغال لصعوبة مسالك دروب مدينة فاس العتيقة .
جودة دولية
بالرغم من أن دباغة وتحضير الجلد تحتاج إلى كثير من المهارة والصبر، فان الصناعة الجلدية في المغرب تفوقت على الكثير من الدول الرائدة في هذه الصناعة ، حيث اتسمت دوما المنتجات التقليدية المصنوعة من الجلد بجمال نادر ورقة وأناقة.
ورغم الصعوبات التي أصبح يعانيها المهنيين في هذه الحرفة العتيقة بسبب عوامل عديدة سنأتي على ذكرها فان صناعة الجلود من بين القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ذات الأهمية البالغة لاقتصاد المملكة إلى جانب صناعات تقليدية أخرى ، والتي تمكن من خلق قيمة مضافة وفرص عمل تشمل مليونا و130 ألف مشتغل بالقطاع، وبرقم معاملات يتجاوز 73 مليار درهم سنويا.
وحسب آخر أرقام تجمع صناع الجلد المغاربة فان السوق الأوروبية هي الزبون الأكبر للجلود المغربية حيث يوجه لأسواقها أكثر من 94 في المائة وتتصدر فرنسا قائمة دول القارة العجوز حيث يعتبر الجلد المغربي من المنتجات الفاخرة التي تعرض في أفخم المحلات ، تليها إسبانيا ثم ألمانيا وإيطاليا وأخيرا بريطانيا.
ووفقا دائما لتجمع صناع الجلد بالمغرب، فان المغرب يصدر ما بين 15 و20 مليون حذاء في السنة، حيث تشكل الأحذية الحصة الأكبر من صناعة الجلود بالمغرب ، متبوعة بالصدريات والمعاطف والمحافظ والحقائب ، هذه الحقائب تعتبر الأشهر عالميا في سوق الموضا العالمية حيث صنفت وتصنف دوما ضمن أفخم حقائب اليد النسائية في العالم .
فاس مدينة المآثر
مدينة فاس المغربية التي تحتضن أكبر المدابغ في شمال افريقيا ، هي نفسها المدينة التي اختارتها منظمة اليونسكو عام 1981 كأحد مواقع الثرات العالمي حيث الى جانب المساجد العتيقة تتعدد المعالم الأثرية الفاتنة التي تكشفها الأسواق الرائعة والزقاق الملتوية الضيقة ,,,وحيث توجد أكثر من عشرة ألاف بناية من بينها القصور الشامخة والمنازل القديمة المكونة من طابقين والأبواب المزخرفة والحدائق والباستين وأكثر من أربعة ألاف نافورة وسقاية موزعة على أحياء المدينة القديمة .
مآثر تعكس حقبة ناصعة من تاريخ المغرب عرفت فيها البلاد بفضل قربها من الأندلس إشعاعا ثقافيا وفكريا ومعماريا عكسته المخطوطات الغنية التي تضمها خزانة جامعة القرويين والمتعلقة بالعلوم الدينية والفلسفية والطبيعية والفلكية وبما جعلها ملاذا لفلاسفة وعلماء عصور خلت حيث أن البابا سيلفستر قضى بفاس فترة مهمة من شبابه أدخل عقبها الأرقام العربية إلى أوروبا ، كما عاش بها الطبيب الفيلسوف اليهودي ابن ميمون والدي درس بجامعة القرويين في إشارة إلى روح الانسجام الثقافي بين المسلمين واليهود الذي ساد بالأندلس ووجد صداه بفاس .