انتقدت حنان رحاب رئيسة منظمة النساء الاتحاديات خلال اليوم الدراسي حول “مراجعة شاملة لمدونة الأسرة: نحو تعزيز الحقوق والمساواة بالمجتمع” المنظم اليوم الأربعاء 03 ماي 2023 بمقر مجلس النواب ما اسمتها الأصوات التي تحاول تأجيل استحقاق تغيير مدونة الأسرة، وكذلك حتى إصلاح القانون الجنائي، بادعاء أن الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة هي التي يجب أن نوليها الأهمية، وأن كل القضايا الأخرى لا قيمة لها أمام قفة المغاربة.
وقالت رحاب في كلمة منظمة النساء الاتحاديات في اليوم الدراسي الذي ينظم بمعية جمعية حقوق وعدالة والفريق الاشتراكي -المعارضة الاتحادية بمجلس النواب اننا نراهن وفي إطار سلسلة الفعاليات التي ننظمها أو نساهم فيها ترافعا من أجل تحيين وتغيير لمدونة الأسرة بما يحقق مقاصد الإنصاف والمساواة والعدالة، وهو التغيير الذي نعتبره لبنة أساسية في معركة أشمل وتحتاج لنفس أطول، وهي معركة المساواة الشاملة في الحقوق والواجبات.
كاشفة ان انطلاقة منظمة النساء الاتحاديات وبدعم من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بكافة منظماته الموازية وواجهاته التمثيلية، وفي مقدمتها الفريق الاشتراكي_ المعارضة الاتحادية، في مجموعة من الديناميات التي تمزج بين التحسيسي والترافعي والاحتجاجي من أجل أن نكون فاعلات وفاعلين في هذا الورش المجتمعي الذي انطلق بخطاب جلالة الملكي التأسيسي في يوليوز 2022، والذي كان واضحا في دعوته لإصلاح مدونة الأسرة بعد تجربة قاربت العشرين سنة، عرت عن مجموعة من الثغرات التي كانت منفذا لصدور أحكام تناقض روحها الساعية لإنصاف النساء والأطفال، باعتبارهما الضحايا المباشرين لأي ظلم اجتماعي، في غياب حماية قانونية واضحة وصارمة، ولا تسمح بتأويلات تعيد إنتاج تراتبيات اجتماعية مزيفة قائمة على امتهان أدوار المرأة، والنظر إليها باعتبارها كيانا قاصرا.
رئيسة منظمة النساء الاتحاديات اعتبرت أن إقرار مدونة الأسرة الحالية سنة 2004 بمثابة ثورة اجتماعية وقيمية وفكرية، ولقد كان هذا موقف كل قوى الإنسية والتقدم والحداثة، واعتبرنا التصويت بالإجماع عليها في هذه المجلس الموقر من طرف جميع الحساسيات السياسية والإيديولوجية تعبيرا عن الذكاء المغربي في المنعطفات الحاسمة، إذ ينجح المغاربة إلى التسويات النبيلة، وإلى الإعلاء من المشتركات الوطنية، وإلى تفضيل عدم الإغراق في التقاطباتالتي قد تهدد السلم المجتمعي، وتقودنا إلى متاهات القطائع التي تنذر بما وقع في بلدان أخرى حيث تسيدت لغة التكفير والتكفير المضاد.
مستطردة انه غير ما حصل لاحقا، هو اكتشافنا أن المقاومات للإصلاح والتحديث والمساواة، غير موجودة في الدولة، بل في بنيات مجتمعية تستبطن عقليات ماضوية، وهي بنيات للأسف تجد لها مواطن في بعض المؤسسات الرسمية، بنيات لا تنطلق من روح النصوص ومقاصدها، سواء النص الدستوري أو القوانين التنظيمية أو القانون الجنائي أو مدونة الأسرة، وغيرها من المدونات القانونية، بل تنطلق من قراءات رجعية لهذه القوانين قائمة على تأويلات ذكورية.
وهذه العقليات تقول رحاب استثمرت جيدا في الفراغات التي تتضمنها مدونة الأسرة الحالية، وغيرها من القوانين، وهي فراغات تسمح بتأويلات متناقضة أحيانا، ولذلك صرنا في القضية الواحدة مثل إثبات النسب نتوقع الأحكام انطلاقا من قناعات القاضية أو القاضي المؤسسة على الانحياز لأفق الحداثة، أو على النقيض التي ما زالت أسيرة التقليدانية، مادام النص القانوني يسمح بالقراءتين، رغم قناعتنا أن قياس مدونة الأسرة إلى الوثيقة الدستورية كفيل بتكييف الغامض أو الملتبس منها وفق مقتضيات المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وتم إقرارها في هذا المجلس التمثيلي، وصدرت في الجريدة الرسمية، والتي لا تشكل أي تعارض مع مقاصد الإسلام السمحة، كما يزعم دعاة المحافظة والتقليد.
إن جلالة الملك تقول حنان رحاب الذي أبان عن انحياز إيجابي لحقوق النساء والأطفال منذ توليته العرش، يشكل بالنسبة لنا كنساء تقدميات دعما وسندا لنا في سعينا من أجل مغرب المساواة والإنصاف لكل فئات المجتمع وطبقاته، ولكن هذا الدعم الملكي يتطلب قيام التنظيمات الحزبية والمدنية والحقوقية والنسائية بأدوارها في تحصين المكتسبات القائمة، وفي تطوير وتغيير المدونات القانونية بما يحقق طموح المجتمع الحداثي الديموقراطي والدولة الاجتماعية القوية، إذ لا حداثة ولا ديموقراطية بإقصاء النساء، ولا دولة اجتماعية بدون إقرار سياسات للتمكين الاقتصادي للنساء.
فالمقاربة” الخبزية” تقول رحاب واسمحوا لي على هذا التعبير، هي مقاربة تضليلية، وليس هدفها الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وأعتقد أننا لا نحتاج لمن يقدم لنا دروسا في هذا المنحى، لأننا أصلا حزب بمرجعية ديموقراطية اجتماعية، ولكن التجارب التاريخية علمتنا أن كل فصل بين قضايا العدالة الاجتماعية وقضايا التحديث والديموقراطية لا يقود إلا إلى تعميق الفوارق الطبقية وسيادة الماضوية والرجعية اللذين هما أكبر حلفاء التراتبيات الطبقية والاجتماعية وتلك القائمة على النوع الاجتماعي، بل إن هذه التيارات الرجعية قادرة على تبرير الظلم الاجتماعي انطلاقا من تأويلات متعسفة للنصوص الدينية التي جاءت في الأصل بالدعوة للكرامة والعدل والفضيلة.
ولذلك كانت ومازالت النساء في مقدمة ضحايا أي أزمات اجتماعية أو نزاعات مسلحة، أو انهيار اقتصادي، ومن هذا المنطلق فإن دفاعنا اليوم تقول نفس المتحدثة عن تغيير مدونة الأسرة بما يضمن المساواة والإنصاف ليس نقيضا للدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنين، وليس نقيضا لأولوية بناء اقتصاد قوي، وليس نقيضا لقضايا إصلاح التعليم والصحة والشغل، بل هو في القلب من كل هذه المعارك، لأنه يوجد على خطوط التماس بين الدولة الاجتماعية القوية وبين المشروع الحداثي الديموقراطي.