مقالات الرأي

نهاية الإسلام السياسي

وفاء صندي : كاتبة مغربية -عن جريدة الأهرام المصرية 

في تطور مثير، مني حزب العدالة والتنمية المغربي بهزيمة ساحقة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم 8 سبتمبر الماضي، بعدما حصد 12 مقعدا فقط، مقابل 125مقعدا في آخر انتخابات عام 2016. الحزب الذي تولى السلطة في أعقاب الحراك العربي عام 2011 كان يأمل في الحصول على ولاية ثالثة يقود فيها ائتلافا حاكما، لكن النتائج جاءت أسوأ من المتوقع سواء من حيث الأرقام او من حيث الدلالة. فقد خسر قادة الصف الأول كالأمين العام ونائبه ووزراء وقادة كبار في الحزب، لمقاعدهم في دوائرهم الخاصة، واخلى والحزب معاقله التقليدية في المدن الكبرى.
هذا السقوط المدوي للحزب ذو المرجعية الإسلامية له ما يبرره. اولا، الكل يعلم الظروف التي اوصلت الحزب الى السلطة، والتي كانت مرتبطة بالحراك الشعبي العربي وانتفاضة حركة 20 فبراير في المغرب. وقد كان فوزهم آنذاك ضرورة أملتها التحولات الجيوستراتيجية والظرفية الإقليمية والدولية، ويبدو ان هذه الظروف تغيرت الان على مستوى العالم ككل. ثانيا، في انتخابات 2016، منحهم الشعب فرصة ثانية لتحقيق ما وعدوا به من إنجازات وتغيير ومحاربة للفساد، لكن كانت النتائج مخيبة للآمال، وكانت اغلب السياسات الحكومية لا تخدم المصالح الشعبية والطبقات المجتمعية التي وضعت ثقتها في الحزب الإسلامي، مما جعلها تنقلب عليه.
ثالثا، بسبب حالة الانسداد السياسي في 2016 اثر فشل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف آنذاك، في تشكيل حكومته، وتعيين الملك سعد الدين العثماني رئيسا بديلا للحكومة، شهد الحزب اول هزة وانقسام داخلي، زاد حدته بعد الإطاحة ببنكيران من رئاسة الأمانة العامة للحزب. منذ ذلك الوقت وبيت العدالة والتنمية يشهد انقسامات وصراعات لم يستطع معها الحزب مواجهة التحديات الكبرى التي كانت تنتظره والتي كانت سببا في خسارة شعبيته ومصداقيته. ويمكن تلخيص هذه التحديات في ثلاث ملفات جوهرية، كان موقف الحزب فيها منافيا لمبادئه وافكاره التي طالما روج لها ودافع عنها امام الشعب: أولا، تمرير قانون “التعليم بالفرنسية” الذي سمح بتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بدلا من العربية. ثانيا، تبرير مشروع قانون تقنين زراعة الكيف. ثالثا، الدفاع عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
كل هذه الظروف والسياسات اثرت بشكل كبير على تماسك حزب العدالة والتنمية داخليا، وعلى صورته وشعبيته خارجيا. فقد بدا منقسما على نفسه، منشغلا بصراعاته الداخلية، ومتخليا عن كل مبادئه. وبدا أنه لا يملك الكلمة فيما يتعلق بالسياسات الكبرى. وبذلك تهاوت صورته لدى الناخبين الذين امتنعوا عن منحه فرصة ثالثة، وكان التصويت عقابيا، رغم كل ما قيل عن استخدام المال في هذه الانتخابات لصالح أحزاب أخرى. فلو كان الامر كذلك لما كان حزب العدالة والتنمية قد فاز في انتخابات 2016، والتي عرفت فسادا ماليا وخروقات كبيرة، لم تنجح في تغيير النتيجة او التأثير على ارادة الناخبين.
نتائج الانتخابات الأخيرة دفعت رئيس العدالة والتنمية وامانته العامة للاستقالة الجماعية. وهذا لن يغير شيئا من كون هذه الهزيمة سوف تلقي بظلالها كثيرا على اكبر حزب سياسي في المغرب، وربما لن يتعافى منها الا بعد فترة طويلة. من المتوقع ان يعقد برلمان الحزب دورة استثنائية خلال الأيام القادمة، ربما ستشهد عودة عبد الاله بنكيران لقيادة الحزب مجددا، باعتباره رجل المهام الصعبة. او ان البرلمان سيقرر ترك القيادة للجيل الثاني من القيادات، والتي سيوكل إليها إعادة الثقة في مشروع الحزب. لكن بعد الإخفاق الكبير على مر عقد من تدبير الشأن العام، سيكون من الصعب ان تعود الثقة في الحزب كما كانت. وربما سيحدث للعدالة والتنمية كما حدث مع حزب الاتحاد الاشتراكي، والذي افل نجمه مباشرة بعد تجربة حكومة التناوب التي ترأسها في اخر تسعينيات القرن الماضي.
طوى المغرب صفحة حكم الإسلاميين، وقطع مع الشعبوية التي لم تزد إلا عزوفا وردة حقوقية في زمن سياسي عبثي، كما اسدل الستار على آخر صفحات الإسلام السياسي في العالم العربي، لكن هذه المرة عن طريق الديمقراطية. سيعود حزب العدالة والتنمية لصفوف المعارضة لكن بأدوات ضعيفة وصوت مبحوح. اما الحكومة فسيترأسها عزيز اخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للاحرار، والمعين قبل أيام من طرف الملك محمد السادس، بموجب الفصل 47 من الدستور. ووفقا للنظام الانتخابي في المغرب، لا يمكن لحزب واحد الفوز بأغلبية مطلقة، الأمر الذي يجبر الفائز على الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى