يتميز نعناع “البروج”، الذي تشتهر بزراعته منطقة البروج (سطات)، بالعديد من الصفات التي تميزه عن باقي أنواع النباتات، بنكهة قوية وخضرة داكنة وخصائص عطرية، ومنشطة ومنعشة، جعلت منه علامة متفردة تحظى بعشق كبير من المهووسين بالشاي المعربي.
فزراعة هذه النبتة لها سمعة تاريخية، فهي تقدم نموذجا بيئيا محليا يحظى بتقدير كبير من قبل المستهلك المغربي، وتلعب دورا مهما للغاية في مكافحة الفقر باعتبارها نشاطا مدرا للدخل.
كما أن نعناع “البروج” أضحى من العلامات التي جذبت شهرة واسعة للمنطقة تعدت حدود الجهة،لتتحول إلى مورد دخل رئيسي للعديد من الفلاحين المحليين، وهو ما أكده المدير الإقليمي للفلاحة ببرشيد حسن سعد زغلول، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن جهة الدار البيضاء – سطات ، مشيرا إلى أن هذه الجهة تعتبر من الجهات الرائدة في إنتاج وتصدير هذه المادة على المستوى الوطني، لاسيما إقليمي برشيد وسطات.
وأبرز أن الإقليمين المذكورين يعرفان بزراعة ما يناهز ألف هكتار من نعناع “البروج” سنويا، خصوصا بمناطق بني يكرين وكيسر وأولاد عبو وأولاد سعيد والغنيميين التي تتميز بجودة تربتها ووفرة مياه السقي، مضيفا أن الإنتاج السنوي يتراوح ما بين 65 إلى 70 طنا في الهكتار.
ولتثمين هذه الثروة الوطنية، يضيف زغلول، قامت المديرية الجهوية للفلاحة بالدار البيضاء – سطات بإنجاز مشروع سنة 2016 على مستوى إقليم برشيد يحمل اسم “تثمين نعناع البروج” في إطار الدعامة الثانية من مخطط المغرب الأخضر، وذلك من أجل تعزيز البنيات التي تساعد في تثمين المنتوج في ظروف تحترم معايير السلامة والجودة المعمول بهما على الصعيدين الوطني والدولي، خصوصا أن نعناع البروج بات مطلوبا بقوة في التصدير.
وواصل أن المديرية قامت، في السياق نفسه، بإطلاق مشروع لترميز نعناع البروج برمز “البيان الجغرافي المحمي” الخاص بالمنتجات المجالية الوطنية.
وحسب هذا المسؤول، فإنه بالإضافة للمجهودات الكبيرة التي تم بذلها في إطار مخطط المغرب الأخضر من قبل الوزارة الوصية، فان هناك مشاريع طموحة أخرى تم تبنيها في المخطط الفلاحي الجهوي الخاص باستراتيجية الجيل الأخضر (2020-2030) من أجل تحسين هذه الثروة وجعلها أكثر تنافسية وجاذبية، ولا سيما دعم تحويل مساحة كبيرة إلى الزراعات البيولوجية، وكذا مواكبة ودعم التنظيمات المهنية النشيطة في زراعة نعناع البروج عن طريق تكوين المستفيدين على المستويات التقنية والفلاحية والتسويقية، وأيضا الدفع بالمنتوج من أجل الحصول على شهادة “BIO”.
والمعروف أن استهلاك النعناع عموما بالمغرب يتم على نطاق واسع، وغالبا ما يكون مصاحبا للشاي، واستخدامه شبه يومي ومتجذر في التقاليد المغربية، فضلا عن كونه رمزا للضيافة وحسن الاستقبال في الثقافة المغربية. ولهذا الانتشار أسباب عديدة منها ما هو اجتماعي وثقافي مرتابط بالعادات المغربية الأصيلة، وشق منها ذي طابع صحي، يوضحه الدكتور كريم والي، أخصائي التغذية والطب البديل في تصريح مماثل، قائلا إن مادة النعناع تزخر بالعديد من المزايا الصحية والغذائية، ومنها احتواؤه على فيتامينات وأملاح معدنية ومغنيسيوم. كما أنه يساعد على الهضم، وهو مضاد للأكسدة، فضلا عن قدرته على تخفيض نسبة الكوليستيرول الضار والحفاظ على صحة القلب والشرايين. وللاستفادة من هذه المزايا التي يتمتع بها، شدد الدكتور والي على ضرورة الالتزام بالطريقة الصحيحة عند استعمال هذه المادة، حتى يتمكن الجسم من الاستفادة من مكوناته بنسبة 75 في المائة، المتمثلة في صب الماء الساخن على النعناع لمدة عشرة دقائق فقط، مضيفا أن طبخ النعناع يفقده كافة هذه الخصائص والمميزات.
وواصل أن هذه النبتة تتنوع مذاقاتها بتعدد أنواعها، فكل نوع منها يتميز بفائدة تعود على الإنسان بالنفع دون الأخرى، منها النعناع الصوفي الذي يساعد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم والإرهاق.
وأكد أن النعناع يستعمل كدواء لعلاج العديد من الأمراض والآلام، منها اضطرابات الهضم أو انتفاخ البطن أو الإسهال أو مشاكل الجهاز البولي والتنفسي.
كما ينصح هذا المختص بعدم تناول هذه المادة خاصة (مع الشاي أو مع سلطات) للمرضى المصابين على مستوى الكبد أو المرارة، منبها إلى أنه لا يستحسن تناوله بالنسبة للأطفال دون سن الخامسة.
ومن جهة أخرى، أشار أخصائي التغذية والطب البديل إلى أن النعناع من بين النباتات التي تتميز بخاصية الامتصاص بكميات كبيرة تفوق النسب التي تلتهمها الخضر والفواكه، سواء تعلق الأمر بمياه الري، وهذا قد يطرح بعض المشاكل على المستوى الصحي، إذا ما كانت مياها ملوثة، والملاحظة ذاتها بالنسبة للاستعمال غير القانوني للمبيدات، ودون مراعاة النسب المرخص بها في استخدام هذه المواد الكيماوية.
ولأهمية النعناع، وترسخ استعماله في المعيش اليومي للمغاربة، كانت مقاطعات درب السلطان الفداء بالعاصمة الاقتصادية تحتضن سوقا كبيرا خاصا به يعرف باسم (سوق النعناع القديم) يقصده المنتجون والباعة من مختلف أنحاء البلاد للتزود بهذه المادة.
غير أن الاستغناء عن أنشطته المتعلقة بتسويق النعناع ، جعل البعض من الفاعلين المحليين والجمعويين والمهتمين بالأنشطة الاقتصادية المحلية يعربون عن أسفهم لهذا القرار، الذي حرم المنطقة من فضاء أكسبها شهرة واسعة على الصعيدين الجهوي والوطني.
ومن بينهم الأستاذ الجامعي رشيد لبكر ، الذي اعتبر أن تحويل أنشطة هذا السوق القديم إلى وجهة أخرى، والاستغناء عن خدماته، يعد ” حيفا ” في حق هذه المدينة وطمسا لأحد معالمها التاريخية، معربا عن رأيه بأنه كان من الأحسن تحويله إلى فضاء يحتضن أنشطة أخرى إلى جانب نشاطه الرئيسي عوض تحويله إلى مستودع للحافلات المتهالكة .