مقالات الرأي

مدخلات لفهم البعض مما يجري في ” قصور ” العدالة

مصطفى المنوزي

كان الهدف الأسمى لمهندسي ما اطلق عليه بالعهد الجديد هو إطلاق مسلسل المصالحة بين الدولة ومؤسساتها وبين المجتمع وقواه الحية وتعبيراته السياسية والاجتماعية والمدنية ، فاعتمد الملك محمد السادس مفهوم الجديد للسلطة في اكتوبر 1999 وعززه بمطلب تشييد مجلس الدولة خلال افتتاح السنة القضائية بتاريخ 15 دجنبر 1999 ، ليس فقط لتكريس دور القضاء الإداري في التصدي لتعسف الإدارة وشطط موظفيها ، ولكن بالأساس لتكريس استقلالية القضاء عن السلطة الإدارية كمدخل رئيس لتفعيل مقتضيات تصالح القضاء مع المواطنين والمجتمع ؛ وفعلا تكرس مطلب إقرار القضاء كسلطة اولا ، بعد أن كان مجرد جهاز تابع للسلطة التنفيذية خلال سنوات الرصاص ، ثم تمت درسته كسلطة مستقلة عن بقية السلط ، بمقتضى دستور فاتح يوليوز 2011 ، والذي اعترف للقضاة بالحق في التنظيم والتعبير والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم المادية والمعنوية ، وقد لنا الشرف كرئيس للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف أن دعمت تأسيس نادي قضاة المغرب ، بالمرافقة القانونية والإجرائية من إستشارة وإشراف وإيداع للملف التأسيسي لدى السلطات المختصة ، وحصل ذلك يوم 20 غشت 2011 المطابق لذكرى ثورة الملك والشعب ، وفي الحقيقة كان او تفعيل وتنزيل لمقتضيات الدستور ، إيذانا بانبلاج عصر تحرر السلطة القضائية من تحكم ووصاية السلطة التنفيذية ؛ وإعلان عن تبني فعلي للتعددية وحق في الاختلاف ، بعد أن كان حق التنظيم حكرا على الودادية الحسنية للقضاة ، ومنذئذ انتعش التنافس الشريف والديمقراطي ، وفتح الباب لتأسيس من الجمعيات ذات الصلة ، والتي مارست حقها في تفعيل المقاربة التشاركية بالمساهمة في الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة .
ومن أهم تداعيات هذه الدينامية الإصلاحية أيضا تنصيب المجلس الاعلى للسلطة القضائية واقرار استقلالية النيابة العامة والتي لم يعد وزير العدل رئيسا لها ، ثم بلورة مدونة الأخلاقيات القضائية والتي في ضوئها تم تعيين و انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للسلطة ، وشاءت القدر أوالقضاء أن ينال نادي قضاة المغرب حقهم الوافر في تمثيل القاضيات والقضاة ، وهي إشارة قوية على انفتاح العقل القضائي على دماء جديدة وعلى روح نقدية شبابية متجددة ، وهو ما اعطى وزاد للمرتفقين والمهتمين جرعة ثقة ، وبنفس القدر ينتظر أن نعيش دخولا متوترا ومترددا باعتبار انه بعد صدور مدونة الأخلاقيات القضائية ستكون مهام التحصين وتكريس الاستقلالية والنزاهة والحياد والتجرد أمام اختبار صعب بالنظر للتمثلات المجتمعية والسياسية ، ولا مناص من أن تعرف هذه المرحلة الانتقالية بعض المقاومات لأنه لكل عملية إصلاحية كلفتها وإكراهاتها وتحدياتها ، فلا إصلاح للعدالة دون إصلاح القضاة لأنفسهم وفق ما في قـول الحق تبارك وتعـالى في سـورة الرعـد: الآية 11 “” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ “” ؛ غير أن المخيف في كل هذا هو صعوبة تمثل هذا التحول النوعي من قبل خصوم التغيير والإصلاح ، من هنا ندرك سوء التفاهم الحاصل وما قد يترتب عنه من تماهي في المسؤوليات وتنازع في الاختصاص ، وإن الغيرة الوطنية تتطلب الحيطة والحذر واليقظة حتى لا يفسح المجال لعودة الماضي ورجال السكتة القلبية ، ومن حقنا كحقوقيين وضحايا سنوات الرصاص أن نراهن على فصل السلط واستقلالية السلطة القضائية كملاذ ووطن للعدالة ، وفي نفس الوقت نحذر من الحنين المفجع للجهاز التنفيذي إلى تكرار الماضي الاسود ، لأنه ينبغي التأكيد على أنه بدت بلوح في الأفق مؤشرات عودة مظاهر الحكم الفردي المطلق على عهد سنوات الرصاص ، من خلال بوادر إصرار بعض الأجنحة داخل مربع السلطة التنفيذية على احتواء وإلحاق السلطتين التشريعية والقضائية وتكريس ذيليتهما لها ! وفي ذلك محاولة لنقض الالتزامات موضوع مسلسل المصالحة والتي تبنتها أعلى سلطة في البلاد وصادقت عليها وأمرت بتنفيذها ودسترتها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى