تربية الصقور..الحب “الحار”
كأن هذه القبائل في تخوم منطقة الشاوية الشهيرة بفلاحتها المزدهرة قد أخذت على عاتقها من دون غيرها من القبائل مهمة صون هذا الارث التاريخي
الارث المتمثل في ممارسة الصقارة التقليدية وتربية الكواسر وتدريبها على التقاط الطرائد تجسيدا لالتحام عميق وقديم بين الانسان والطائر (الصقر والصقار)
وقد حظي على اثره هذا الطائر بعناية خاصة حفاظا على سلامته وأمنه واهتمت به الاسر كواحد من أهم أعضاء العائلة مجسدة بذلك شغف منقطع النظير في علاقة عميقة حافظت دوما على أصالتها وسعت لاستمرار ذلك
هذه العناية تعاظمت من خلال تكوين الاجيال الجديدة لحمل أسرار هذا الارث والحفاظ عليه حيث برزت بعض المبادرات الرامية الى تحفيز استقرار الشباب وتبادل الخبرات مع العارفين المدربين المنتمين لبلدان الخليج العربي وأوروبا وتكثيف أنشطة الصيد بالصقور بعدد من جهات المملكة.
وقد كان للمباردة على تواضعها وقع كبير حين عمدت اليونسكو الى تسجيل “الصقارة” احدى طرق القنص التقليدي كتراث تقليدي حي في قائمتها التقليدية
“الصقارة اطار دولة”
في الاصل وحسب المصادر التاريخية فان الصقار أي مربي الصقور كانت له مكانة اجتماعية رفيعة في المجتمع وفي دهاليز الدولة وخلال خلال عهده كان السلطان المولى اسماعيل السلطان العلوي الذي حكم منذ العام 1762 حتى 1727 يتخذ حراسه دوما من مربي الصقور وحرص على ذلك خاصة في زياراته عبر البلاد او في الحفلات المنظمة على شرف الدبلوماسيين وكبار ضيوف البلاد وقد تم انشاء مستشفى خاص بعلاج الصقور وتحديدا بمدينة اسفي على المحيط الاطلسي وعلى مقربة من قبائل دكالة . أما في عهد السلطان مولاي الحسن الاول فقد صدر قانون يعفي من خلاله مربي الصقور من أداء الواجب تشجيعا لهم على هذه الهواية وكذلك هو الشأن في قانون اخر رفقة المولى عبد الحفيظ الذي جدد فيه ما كان قد اقره والده ليتجسد بشكل جلي هذا الاحتفاء حين اصدرت المملكة في تاريخ لاحق طوابع بريدية تحمل صورة الصقر كدليل قاطع على الاهتمام بهذا الطائر الملقب “بالطائر الحر”وبما يعكس بشكل واضح الاهتمام الكبير الذي حضيت به الصقور لدى الملوك العلويين وهي سمة بارزة ساهمت في الحفاظ على نمط خاص من الحياة ذي قيمة تاريخية متميزة وهو الشئ الذي يعكسه محمد الغزواني رئيس جمعية صقاري اولاد افرج بدكالة ناحية مدينة الجديدة حين يتحدث عن الصقارة كثرات انساني مشترك يخلد ممارسة تقليدية عابرة للأوطان توزعت مظاهرها بين دول في الخليج والمغرب العربي وأوروبا واستحقت بالتالي التفاته وطنية ودولية حفاظا على موروث لامادي عريق يحكي سيرة ذكاء جماعي في تفاعل الانسان مع مجاله الطبيعي والحيوي
تدريب الصقور
من بين اهم العلامات الفارقة في منطقة “القواسم” بمنطقة دكالة في المغرب توجد هناك طريقة تدريب الصقور التي تحمل طابعا خاصا بالمنطقة وتعكس قدرة انسان هذه المنطقة على التعاطي مع عشق سكنه وتوارثته لحد الابداع والخلق ففترة تدريب الصقر عند اهل القواسم تمتد بين اسبوعين الى ثلاث او اكثر ان دعت الضرورة حسب طبيعة كل صقر وهي الطريقة التي يشرحها محمد الغزواني رئيس جمعية صقاري اولاد افرج بدكالة بتفصيل موضحا ان المدرب يستعين بداية بادوات التدريب المكونة اساسا من البرقع غطاء الراس الجلدي او “الكبيل” وهو من الادوات الرئيسية لتدريب الصقر الذي يوضع لحجب نظره والحفاظ على هدوءه النفسي ..هذا الغطاء يتم ازالته من على رأس الصقر عند ارساله الى الطريدة او عند تناوله لوجباته ، يضاف الى ذلك “المنفلة “او “الكم” كما يسميها صيادو القواسم وتشبه الى حد كبير القفاز حيث يدخل الصقار يده اليسرى والتي يحمل عليها صقره ، ثم السبوق أو “السمايك” وهو عباره عن خيط قصير مؤلف من قطعتين متساويتين تعلق بأحدهما رجل الصقر بينما الطرف الاخر يبقى عالقا وهي ادوات اساسية تساعد الصقار على تحديد سلوك صقره أحيانا بالترهيب واحيانا اخرى بالترغيب وبما يحفظ أنفته كمنحه قطع من اللحم واسماعه لصوته وهو معصب العينين ..لتأتي بعد ذلك مرحلة ازاحة غطاء الراس بين الفينة والأخرى ايذانا ببداية الاستجابة للتدريب في مرحلة المسافات القصيرة على أن تليها المسافات الطويلة وهي مرحلة تدريب فعلية وتكون بالانقضاض على الطرائد وعند المناداة على الصقر وتوجيه نحو مصدر الصوت حيث يرفع المدرب البرقع عن صقره ملوحا له بحمامة وهمية معدة سلفا تدعى “الجيابة ” وهي عبارة عن مجموعة من ريش الحمام مربوطة بعضها ببعض توضع فوقها قطع من اللحم يتجه صوبها الصقر كالسهم ويكررالصقار هذا التمرين لعدة مرات الى ان تنجح العملية بشكل نهائي ويطمئن الصقر بعدها لصاحبه .
“الحب الحار”
بالعامية المغربية يردد كل مربي الصقور العبارة الشهيرة التي تقول أن (حب الطائر الحري اي “الصقر” هو حب حار وهو مايعني ان الصقار يضحي بالغالي والنفيس من أجل الحفاظ على صقره حتى وان تعلق الامر باهمال نفسه وأهل بيته واطفاله من أجل العناية بصقره ، فالصقر الحر يتناول يوميا وجبة من اللحوم قد لايتناولها حتى صاحبه ومن تم كانت العلاقة بينهما جد حميمية والصقار الماهر كما يقول سعيد صدوق رئيس جمعية الصقور الشرفاء هو من لايتوقف عند حدود هذا الحرص والعناية بل يتعداها الى الالمام بطبيع الصقر وتربيته وهو مايفسر يقول سعيد صدوق معنى عبارة ” الحب الحار” لان العلاقة بين الاثنين علاقة مغايرة يميزها نكران الذات والوفاء والاخلاص وهي صفات استطاعت الفنون والاداب الشعبية ترجمتها في الكثير من المواويل الشعبية العامية التي يتغنى بها أهالي هذه القبائل في كل المناسبات
الخوف اذن يتعاظم حين يتعلق الامر بالخوف من انقراض هذا الارث الذي يجمع مابين الفن والرياضة خاصة حين نعلم أن امر انتقاله من جيل الى جيل امر اصبح عسيرا بفضل عوامل كثيرة أهمها غياب الدعم المادي والمعنوي لمربي الصقور ناهيك عن القوانين الصارمة التي نظمت عملية صيد الصقر في السنوات الاخيرة خاصة وان الاخير من المحميات التي يمنع صيدها .